ما أسهل أن تصبح بطلاً فى هذه الأيّام حتى ولو كنتَ من ورقٍ وصُنعَ تمثالك فى غفلة من الحقيقة، لأنّ صنّاع الأبطالُ المزيّفين كُثر، ومصدّقيهم أكثر فكلّ ما تحتاج إليه أن تكونَ بارعاً فى التطبيل والتزمير والنفاق، ولا مانع من قليل من الكذب والتضليل فى إطار من التفلسف العقيم الذى يجعلك كلامك - على تفاهته - يبدو مهماً... وما أسهل أن تكونَ خائناً - كذلك - فى لحظات مهما عظم دورك وامتلأ تاريخك بنضالٍ لأجل الحريّة والكرامة، ومهما بلغ ما قدّمته لأجل وطنك من أهميّة سواء كان سجن أو تعذيب أو تشويه أو حتى إصابة فى معركة تحريره أفقدتك أحد أطرافك أو أعضائك، لن يكلّفك الأمر أكثر من قرارٍ بالإعلان عن قناعاتك فى وقتٍ ترى الأغلبيّة عكس ما تراه، ساعتها ستضمنُ لنفسك صفة الخيانة إلى الأبد !!
ربّما لا يكون الأمر غريباً فى زمنٍ يقومُ فيه الثائرون بثورتهم فيحصد ثمارها-فى كلّ مرّةٍ- كلاب السكك وقاطعى الطريق ولصوص الثورات، وربّما لا يكونُ غريباً فى زمنٍ أبطالُه ليسوا شهداءه ولا مصابيه ولا مناضليه.. أبطاله مزيجٌ من حثالات كل العصور السابقة مخلوطٌ بعددٍ من الأفّاقينَ والمعاتيه فُتحت – فجأة -أمامهم شاشات التلفاز ثانيةً وأفردت لهم المساحات فى الصحف ليُخرجوا فى وجوهنا كلّ العفنِ والقذارةِ التى تملأ نفوسهم وتزدحم بها عقولهم !!
ربّما اختلفُ مع بعض رفاق الثورة فى كثيرٍ من آرائهم، أنتقدهم وأعنّفهم أن رأيت الأمر يستحقّ طالما ظلّ التعاطى مع هذه المواقف من منطلق الحرص على مصلحة الوطن والبقاء على مسار الثورةِ التى جمعتنا، فمن حقّ الجميع أن يختلفوا وينتقدوا ويقوّموا أى أداءٍ يرونَ فيه خطأً أو حتى انحرافاً، لكن ليس من حقّ أحدٍ على الإطلاقِ أن يتّهم "أشرف أبناءِ هذا الوطن" من شباب الثورة وبناتها بالخيانة والعمالة، خاصّةً وأنّ من يطلقون هذه التهم بيوتهم جميعاً من زجاج، وتاريخهم أقذر من أن يسمح لهم بالحديث إلى أن يموتوا، ومواقفهم الداعمة للاستبداد والظلم والفساد أبينُ من الشمس فى وقتِ الظهيرة !!
بدأت منذ فترةٍ ليست بالقليلة حملةٌ قذرةٌ ضدّ الكثيرين من رفاق الثورةِ ورموزها كـ"البرادعى - خالد تليمة - إسراء عبد الفتاح -عمرو حمزاوى - علاء عبد الفتاح - أسماء محفوظ.. وآخرين"، والتى تضمّنت تشويهاً لتاريخ نضالهم وافتراء على شخوصهم إضافة لبلاغاتٍ للنيابة تتهمهم بإهانة المؤسسة العسكريّة تارة، وبالخيانة والعمالة تارةً أخرى رغم أن كل ما فعلوه هو إبداء آرائهم - والتى أختلف معها جملةً وتفصيلاً - فى الأوضاع الجارية لكنّها فى النهاية حقٌّ أصيلٌ لهم ليس لأحدٍ أن يحجر عليه مهماً كان حتى لو كانت السلطةُ أو صبيانها فى وسائل الإعلام !!
لا يجب أن يعتقد البعضُ أن وقوفنا اليوم بجانب الدولة بمؤسساتها فى مواجهة خطر الإرهاب الذى يواجه الوطن هو تفويضُ مِنّا بالقمع والتسلُّطِ والاعتداء على الحريّات، ولا يجبُ أن تعتقد الدولة -أو السلطة - أننا يمكن أن نسمح بأى انحرافٍ عن مسار الثورةِ الذى رسمناه، أو تجاوزٍ للحقوق التى انتزعناها أو عودة لما أنهيناهُ من مظاهر من خلالِ موجات الثورة المتعاقبة بدءاً من 25 يناير2011م، فالدماءُ التى سالت لأجل هذه الحقوق أطهر من أن نفرّط فيها وأقدس من أن ننساها وأشرف من أن نتنازل قيدَ أُنملةٍ وهى فى أعناقنا.. "استقيموا... ترحمكم الثورة".