سياسة فن الممكن، هكذا نسمع، وهكذا يراد لها أن تكون، السياسة لا تحتمل الحقيقة الواحدة لأنها متى فشلت فى تحقيق المراد انهارت وأصبحت متجاوزة، السياسى مرن جدا يضع من الخطط الكثير، ويستخدم خلالها المناورة، متى أحس أن مشروعه يتهدده الانهيار يستبق تعديله بالخطة البديلة، فتتجدد مشاريعه فى صيرورة متناغمة، السياسى لا يعادى بل يتسع قلبه لكل ألوان النقد والانتقاد، من هذه الملاحظات يجدد تصوراته ويعزف على بعض من أوتارها، السياسى لا يتصلب فى أحكامه ولا يطلق أحكام قيمة لأن المصلحة والحقيقة تتغير عبر الزمان، فما تراه صالحا اليوم قد يصبح غدا أتفه البدائل.
فى الصراع السياسى لا يلعب السياسى بكل أوراقه ولا يكشف عن كل أسلحته، فتراه يهادن ويناور، ويستغل نقاط ضعف الخصم دون الغلو فى التشهير به وجعله الحلقة الأقوى، السياسى لا يجب أن تفوته المستجدات وإلا فاته نسق التفكير والتفاعل، السياسى لا يتسرع ولا يغلق الأبواب ولا تكون لاءاته معلنة، لأن كشف الخطة هى بداية الهزيمة، السياسى يعمل بمنحيين، المنحى الإيجابى بالتفاعل والتعامل مع الأحداث وتقديم الحلول والتسريع بالأثر الفعلى المرتبط بمصالح الكتلة الناخبة والدول الصديقة، وفى الوقت ذاته فى المنحى السلبى المتعلق بالاستعداد للخصوم وجمع كل معلوماتهم وتحركاتهم ومحاولة قراءة خططهم، انطلاقا من الأهداف والسلوكيات التى يقدمون عليها.
السياسة إذن ليس فيها مكان للسذاجة وحسن النية والصداقة والأخوة، السياسة صراع طاحن، وهى صراع وجود، وليست مكانا للأخلاق ولا لتعلم الفضيلة، فللسياسة مفاهيمها الخاصة ولا تسقط عليها الممفاهيم المجتمعية، السياسة تؤمن بالولاء وبقول نعم للحزب والدولة، ليس بالضرورة أن تكون مؤمنا بكل ما يقوله الحزب أو بالقيم التى تنبنى عليها الدولة، لكن عندما يتخد القرار لا مجال فيه للتراجع بل يحتمل التجديد، إما بنقد ذاتى أو بملاحظات الخصوم، والتراجع ضعف سياسى وكشف عن تهور القرار أثناء الصياغة.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة