قبل أن أتطرق لهذه الكلمة ومعناها ومفهومها الذى أصابه الخلل فى المشهد الراهن مر أمامى شريط الذكريات منذ طفولتى وأنا فى المرحلة الابتدائية وعندما يأتى الدور على صفى الدراسى ويتم اختيارى لتأدية تحية العلم وما ينتابنى ساعتها من إحساس لا يوصف فأجدنى أقف مشدود الجسد ناظرا لأعلى تخرج من فمى كلمات (تحيا جمهورية مصر العربية) كأنها طلقات رصاص وأتذكر زميلى فى نفس الصف وهو يقول لى أثناء دخولى الفصل بعد طابور الصباح (أنت عارف إنى بحس أن شعرى بيقف وأنا أحيى العلم وطبعا نضحك على كلماته لأننا ساعتها لم نكن ندرك أنا وهو سبب هذا الشعور ثم تدور الأيام متلاحقة وننتقل للمرحلة الإعدادية والثانوية وينمو الانتماء بداخلنا أكثر وأكثر فنجد أنفسنا ونحن نبدأ الارتقاء لمرحلة الشباب إننا لا نسمح لأى أحد أن يعاكس بنات مدرستنا وتدور المعارك من اجل ذلك فتنمو عندنا المروءة مع الانتماء ثم تأتى مرحلة انتهاء الدراسة وبداية الالتحاق بالقوات المسلحة وشعورى وأصدقائى عند ارتدائنا للملابس العسكرية كأن الأرض لا تحملنا وكأننا نحلق فى السماء فقد وصلنا إحساس الأبطال وكأن كل واحد فينا وجد فى نفسه نسخة مصغرة (للفريق سعد الدين الشاذلى أو السادات أو من زاملهم أو سبقهم أو تبعهم كنت احس فى نفسى وزملائى بطل صغير على استعداد للتضحية من أجل مصر وكانت تلك الأيام من أعظم صور الانتماء التى مرت فى حياتى ثم تتوالى السنون والأيام لأسافر خارج مصر لأجدنى وغيرى من المصريين بالخارج على أتم استعداد لتحمل الكثير والكثير من أجل (لقمة العيش) كما يقولون بكل ما تعنى كلمات التحمل إلا أن هناك خطا أحمر كبيرا هو مصر فتتحول لمخلوق آخر ليس فقط أنك تضحى بوظيفتك بل ومستقبلك من أجل كرامة مصر ولأننى أحس بانتماء شديد لهذا الوطن ولم يساورنى شك فى يوم من الأيام أن هناك من ينافسنى فى هذا الحب وهذا الانتماء حتى كانت المفاجأة حيث سأقتنى الظروف بأن أزور أحد أصدقائى فى محافظة المنوفية، وبعد أن قام بالطبع بتأدية واجب الضيافة أخذنى فى تمشية بعد العصر لأزور أرضه الزراعية وكان يحادثنى على سجيته ثم توقف فجأة وقال لى تعرف أنا نفسى فى أية؟ قلت لا ثم أمسك ببعض الطمى من الأرض وقال (نفسى أجيب عيش وأغمس بتراب بلدى) كلمات انتفض لها بدنى فبعدما كنت افتخر لنفسى أنه لا ينافسنى أحد فى حب هذا الوطن وجدت من هو يفوقنى فى الحب والانتماء لهذا الوطن الغالى وأكمل حديثه بأن أخاه استشهد وهو طيار فى حرب أكتوبر دفاعا عن تراب مصر تذكرت كل تلك المواقف وأنا أحاول أن أقرأ المشهد الراهن الذى تمر به مصر وتأكدت أن الانتماء رغم أنه يولد بالفطرة لكنه أيضا يحتاج إلى توجيه وإنماء كجسد الإنسان.
