قال الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، لـ"اليوم السابع" لابد أن نعود للاعتراف بأن الثقافات الوطنية كلها تشترك فى قيم ومبادئ أساسية هى التى تمثل الحضارة البشرية وكل أمة تسهم فيها بنصيب، فالثقافة الأوروبية الحديثة أسهم فيها العرب فى العصور الوسطى حينما كان لهم ثقافة حية ومتطورة وكذلك أسهم الأوروبيين فى ثقافتنا الحديثة، لا توجد ثقافة وطنية مضادة لثقافة وطنية أخرى ويجب التعامل مع الآخرين على هذا النحو وإنشاء علاقات على أساس الاعتراف بما يجمعنا وما يخص كل ثقافة على حدة.
وأكد حجازى أنه يطالب المثقفين الأوروبيين بأن يفهموا أنه لا يمكن الحكم على ما يحدث فى مصر بناء على الحوادث المنفصلة عن تاريخها ولكن يجب عليهم كى يفهمونا أن يعرفوا تاريخنا ويحترموا تجاربنا وألا يحكموا عليها من فوق كما يفعل الساسة، وعلينا نحن أن نفهم أن الغرب مختلف فى بعض المسائل ويجب فهم هذه الاختلافات لنفسر أحكامه التى لا تعجبنا تفسيرا صحيحا.
وعن تاريخ التواصل الثقافى مع الغرب قال إن رفاعة الطهطاوى كان له باع كبير فى هذا التواصل، وفهم معنى الدستور والديمقراطية وحرية المرأة وتقبل كل ذلك فى وقت مبكر جدا وبشر بكل هذه الأفكار فى مصر وقال إنها ليست قيم خاصة بالفرنسيين وإنما هى قيم إنسانية عامة، وكذلك محمد عبده الذى فهم ضرورة تجديد الفكر الإسلامى، وكانت له علاقة فكرية مع تولستوى والمستشرقين ولعب دورا مهما هو وتلاميذه فى إدارة الحوار بيننا وبين الغرب وكان تولستوى منحازا لعامة الشعب فى روسيا وهذا معناه انحيازه لكل الشعوب والمظلومين فى كل مكان والبؤساء والمستغلين والأشقياء وهذا ما فهمه محمد عبده وكان سببا فى إعجابه بتولستوى. وعندما نفى محمد عبده إلى فرنسا تعلم الفرنسية هناك وقرأ كثيرا من آثار الفكر الفرنسى وقرأ لجان جاك روسو وسينسر وشتراوس وغيرهم ونقل أفكارهم وتأثر بها وكذلك كان طه حسين صديقا لأندريه جيد ويتزاور معه، وبرنارد شو زار مصر وتعاطف معها وهو إيرلندى وكانت لبلاده مشكلة مع بريطانيا العظمى وانحاز لمطالبة المصريين بالاستقلال، كما أن نجوم المسرح الفرنسيين كانوا يترددون على مصر ليقدموا عروضهم وكذلك فرق الأوبرا العالمية، وأوبرا عايدة لفيردى قدمتها دار الأوبرا المصرية.
وأضاف حجازى أن كثيرين أضافوا لهذا التواصل مثل أحمد لطفى السيد الذى ترجم فلسفة أرسطو التى ساهمت فى تأسيس الفكر الفلسفى الحديث فى مصر وخصوصا بعد إنشاء الجامعة المصرية وكذلك طه حسين الذى درس فى السوربون بفرنسا وبشر بمنهج الشك الديكارتى فى معرفة الحقيقة وتأسيس منهج علمى صحيح وحينما أصبح وزيرا للتعليم أنشا المعهد المصرى الإسلامى فى مدريد وساعد فى إنشاء قسم خاص بالأدب العربى الحديث فى جامعة " إكس انفرانس " فى جنوب فرنسا وفى هذا القسم أتيح للذين يعملون فيه أن يتصلوا بالأدب المصرى الحديث. وكذلك لعبت الأكاديمية المصرية بروما ومعهد العالم العربى بباريس دورا مهما فى هذا التواصل. ولا يمكن أن ننسى دور أحمد أمين ومصطفى عبد الرازق الذى درس فى فرنسا وغيرهما، وهذه العلاقات كانت حوارا دائما مع الغرب وثقافته وهناك ضرورة لعودة هذا التواصل الثقافى الآن لأن الثقافة المصرية عندما تنعزل وتكف عن الحوار تموت.
وأضاف حجازى: أنا عشت فى فرنسا 18 عاما وأعرف أن هناك آلاف الفرنسيين كانوا معجبين بأم كلثوم أى أن الفن والموسيقى وسيلة لها تأثير كبير فى التواصل مع العالم.
واختتم حجازى تصريحاته بأنه لابد أن ندين الفكرة والمحاولات الدائبة التى تتبناها التيارات الدينية لإيهام المصريين أن لهم ثقافة مختلفة عن ثقافات الآخرين وبعيدة عنها أو أن صراعنا مع الغرب ليس سياسيا وإنما فكريا ودينيا فهذا كلام فارغ ولا يخدم سوى الذين يريدون أن يستأثروا بالسلطة.
ولابد أن نعترف أن هذا التيار الظلامى انفرد بالساحة الثقافية خلال العقود الأربعة الماضية منذ السبعينات إلى اليوم وطوال هذه الفترة لم يجد المصريون منبرا للثقافة والوعى إلا المنابر الدينية وحتى الصحف ووسائل الإعلام كانت فيها مساحات كبيرة مخصصة للفكر الدينى المتطرف وليس للمجددين أو الباحثين عن حلول وإجابات للأسئلة التى تواجهنا فى هذا العصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة