لم تكن المرة الأولى فى تاريخنا المعاصر أن يعتدى على الكنائس ولكن هذه المرة كانت مختلفة من حيث الكم فقد اعتدى على حوالى 40 كنيسة منذ فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة وحتى الآن أى فى أقل من أسبوع. وهذه المرة أيضاً كانت مختلفة من حيث الكيف بأن يتم الاعتداء فى آن واحد على الكنائس وممتلكات المسيحيين.. وتصادف أيضاً أن تأتى هذه الاعتداءات الإجرامية فى وقت اختارت فيه جماعة الإخوان إشعال الحرائق والمعارك واستعمال الأسلحة والهدم والتخريب الموجه ضد شعب مصر كله لرفضهم الاعتراف بإرادة 35 مليون مصرى قرروا سحب الثقة من الرئيس المعزول محمد مرسى وإلغاء شرعية الصندوق باسم الشرعية والإرادة الشعبية بعد مخالفات لقواعد القانون والدستور وبعد صدام واحتقار لمؤسسات القضاء والإعلام ثم البوليس قبل أن يصطدموا بالمؤسسة العسكرية التى حسمت المعركة وأعادت الشرعية إلى المحكمة الدستورية وحكومة مدنية وخطة طريق محددة.
ولم يغفر الإخوان لمسيحيى مصر أنهم استعملوا حقهم كمواطنين مصريين فى التعبير عن رأيهم وانضمامهم إلى الأغلبية الساحقة من الشعب فى رفض الاعتداء على الحريات ومؤسسات الدولة. وجاءت لحظة الانتقام الدنىء كجزء من خطة إثارة الفتن والقلاقل والفوضى والاعتداء على حقوق الإنسان وعلى مقدسات وممتلكات أقباط مصر. وجاء رد فعل إخوتنا المسيحيين مترفعاً بمستواه فجاءت كلمات قداسة البابا تواضروس الثانى لتعكس حكمته وإيمانيته العالية وهو يقول: «إن يد الشر تحرق وتقتل وتدمر، أما يد الله فهى الأقوى والأعظم هى اليد التى تحفظ وتبنى، وعين الله على أرض مصر..». وأكد قداسة البابا المبدأ الدائم الذى تبنته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ الراحل العظيم قداسة البابا شنودة برفض التدخل الأجنبى فى شؤوننا الداخلية، وشرفنى البابا تواضروس بأن يقول لى يوم أن استقبلنى فى مقره: «أريد أن تستمر معى وبجانبى مثلما عملت مع قداسة البابا شنودة»، وعاهدت نفسى من يومها أن أستمر فى أداء الرسالة لخدمة دينى الذى علمنى حب الآخر، وخدمة لوطنى الذى اختلطت دماء مسلميه ومسيحييه على أرض سيناء لتحرير الوطن.
وجاء دور مجلس الكنائس المصرية فى بيان مساء السبت يعلن فيه بلغة صريحة وجريئة: «رفضه التام لأى تدخل أجنبى فى الشؤون الداخلية المصرية والتضليل الغربى المتعمد والمتعنت ضد شعب مصر الحر، مؤكداً حق أبنائه فى الدفاع عن أنفسهم ضد الإرهاب». فماذا عن موقفنا نحن المسلمين من الاعتداء على الكنائس وعلى إخوتنا المسيحيين؟ موقفنا تمليه علينا المبادئ السامية عن السماحة والوسطية لديننا الإسلامى وآيات القرآن والحديث وهى تدفعنا إلى محبة واحترام المسيحيين كجزء لا يتجزأ من أتباع الديانات السماوية. ولنا فى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة فى المعاهدة التى وقعها مع نصارى نجران فى قوله: (ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبى رسول الله على أموالهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيَعِهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير). إننى أدعو الجمعيات الأهلية المتخصصة فى موضوعات حوار الأديان وتعليم السلام لتحرك نشط داخل المجتمع لنشر فلسفة أن حماية كنائس ومسيحيى مصر هى واجب دينى على مسلمى هذا البلد لأن ذلك هو الذى سيحمى وحدتنا الوطنية. وأطالب المسؤولين عن الكتاب المدرسى بتسليط الضوء على هذه المبادئ الدينية والأخلاقية وأن يجعلوا من هذه الفلسفة جزءا من تعليمنا لخلق مواطن صالح. وختاما، تحية إكبار وإجلال لجيش مصر الذى بادر بوعى ووطنية بإعادة بناء الكنائس التى اعتدت عليها يد الإجرام والإرهاب والجهالة.