البرامج الحوارية التى تعرضها أغلب الفضائيات تحرض على الفتنة وتقصى عددا من الفصائل المصرية التى تمثل نسبة كبيرة من الشعب، بل وتدعوا هذه الفضائيات إلى بث روح الكراهية فى نفوس الشعب تجاه هؤلاء.
وعند هذه النقطة من هذا المقال لابد أن تقرر عزيزى القارئ أن كاتب المقال أكيد من التيار الإسلامى. وتظن أن أغلب المقال سيركز على عرض محاسن الإخوان ومن عاونهم، ولكن الأمر غير ذلك لأننى لا أفكر كثيرا فى انتمائى الحزبى أو المذهبى، ولا أصنف الأخرين كما يحدث الآن، إنما أذكر بهدوء كل الأطراف أن مصر لا تفرق بين أبنائها، وأن التداعيات الأخيرة التى حدثت كانت اضطرارية، حيث خرجت الملايين ساخطة على نظام الحكم، وعندما تم التغيير سار الملايين يعارضون ماحدث.
ويأتى الدور الإعلامى المحايد ليوضح الحقائق ويرصد المواقف ويعرض المثالب، ويقدر الأدوار ولايركز على طرف ويرفعه إلى عنان السماء ويخسف بالأخر فى التراب، إن التيارات السياسية فى مصر تحتاج إلى بناء حساباتها على أساس من الواقع، وليس بعدد البرامج الفضائية التى يقدمونها، فالشارع المصرى لن يقبل إلا من يقدم له حلولا تحسن من معيشته، ولن يقنع بالكلمات الرنانة والعبارات الطنانة.
إن البرامج العدائية التى توغر الصدور وتؤجج للعداوة والاقتتال تعكس فكرا خبيثا لايصب أبدا فى مصلحة مصر والمصريين، ولا يمكن أن يندرج ذلك تحت مفهوم حرية الرأى والفكر، إننى أتصور نجاح وسائل الإعلام فى تقديم كل الأطراف ليعبر عن رأيه، ويعرض حجته وعلى المواطن أن يقيم ويحكم ويميل بقلبه ويفكر بعقله، وفى تجربة شخصية لى عندما انضممت عقب الثورة لأحد الأحزاب الناشئة أملا فى قيامه بتفعيل البرنامج الورقى الرائع الذى يعرضه على الشعب. ولكن للأسف الشديد لم يقم هذا الحزب بممارسة النشاطات التى كنت أتوقع أن يقوم بها بعد ذلك، وظل حزبا ضعيفا لايملك من أرض الواقع إلا مشاركات بسيطة فى برامج فضائية بمعرفة رئيس الحزب.
السياسة فى مصر أصبحت كلمات لا أفعال، تصريحات لا أعمال وتظل الديمقراطية فى بلدنا فى مرحلة الحبو والرضاع وتحتاج إلى مرحلة الفطام، وهى أصعب المراحل التى قد تدفع بالأم لكى تذيق وليدها طعم المر!
مصر الكبيرة القوية لن تكون أبدا حكرا على فصيل دون الأخر مصر بلد المساجد والكنائس والأديرة، مصر ستبقى حاضنة لكل أبنائها وقد تقسوا أحيانا وتحنو أحيانا ولكن درجة الحب واحدة.
إنها دعوة لكى تحتضن القيادة السياسية كل الأطياف والفصائل وتفتح وسائل الإعلام أبوابها للجميع ليعبر وينقد ويعترض ويقرع الحجة بالحجة فى إطار من الود والحب والاحترام، وليحكم الشعب على كل تلك التوجهات وليرى كيف نسير نحو تنفيذ البرامج التى نتغنى بها جميعا، ولكن لم يتم تفعيل أكثرها على أرض الواقع ولا يزال الاقتصاد المصرى ينزف، ولا تزال مصر تئن من أفعال أولادها .
