إذا كان كاتبا كبيرا كالأستاذ فهمى هويدى لا يرى أن الحشود الكبيرة والملايين التى نزلت الشوارع فى 30 يونيو تمثل ثورة أو استكمال لثورة25 يناير، ويسميها على لسان الفقيه الدستورى طارق البشرى بانقلاب عسكرى ويمضى للتشكيك فى الأعداد التى نزلت، وعالما كبيرا كالدكتور يوسف القرضاوى، وهو يزعم أن 35 ميدانا وجموع الشعب رفضت ما سماه بانقلاب العسكر وأن ميدانين فقط هما اللذان نزلوا لتأييد خارطة الطريق !!، فمن حق قادة الإخوان المسلمين إذا أن يعبثوا بعقول العامة كيفما شاءوا ! ومن حقهم إقناعهم بأن ميدان التحرير لم يكن به سوى 30 ألف فقط وأن المشاهد البليغة التى صورت من ميادين مصر كلها ما هى إلا فوتوشوب ! والضحك عليهم بعبارات مثل الجهاد والشهادة والجنة المزعومة ضد الشعب المصرى على اختلاف فئاته وطوائفه !
1-
الحكاية صعبة بعض الشىء ومشاهدها لا يمكن أن تخطئها الأعين ولا نعرف بدايتها على وجه الدقة غير أن النسيان كثيرا ما ينتاب الكثير منا لذا دعونا نقرأ المشهد كما هو :
كتبت مقالا بعنوان حوار مع صديقى المتمرد وفيه استنكرت الدعوة إلى 30 يونيو باعتبار أن المسار الديمقراطى يحتم علينا المضى قدما فى الإمساك بآلياته ومن قبل ذلك كتبت العديد من المقالات، استنكرت فيها تلك الهجمات الشرسة على مؤسسات الدولة من جانب الرئيس المعزول وجماعاته من تيار الإسلام السياسى وفى يوم 30 يونيو، عندما رأيت المشهد كما تم تصويره ونزول الملايين والتى تم تقديرها بـ33 مليون مواطن نزلوا فى أنحاء مصر وربوعها تغيرت الصورة لدى تماما فلعلها المرة الأولى على حسب ما أعتقد تغادر ربات البيوت وأطفالها ونسائها ورجالها الذين كانوا يشاهدون الأحداث عبر التلفاز إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط مرسى وهؤلاء لم يشاركوا فى إسقاط مبارك، حيث كانت الأعداد فى 25 يناير أقل منها بكثير فى 30 يونيو.
الحقيقة الصائبة هنا هى أن من منح الشرعية سحبها وتلك جملة بليغة للغاية وبسيطة ولا تحتمل كل هذا الجدل الذى فعله كاتب كبير مثل الأستاذ هويدى وهو القيمة والقامة فى عالم الكتابة وعندما تغيرت الصورة لدى قلت أن هذه ثورة قامت من أجل أن يعيش الناس الذين تمت اهانتهم فى عهد الرئيس مرسى وبشكل أكبر بكثير مما كان فى عهد مبارك، وإذا ما اتفقنا أن عهد مبارك كان قمعيا فلقد تم توظيف هذا القمع بصبغة دينية فى عهد مرسى وحتى لا يعترض علينا البعض فنحن نتحدث عن الدين الذى قدموه هم لا الدين الذى نؤمن به نحن وعشنا به وعلمنا سماحته وعظمته.
هم من صنعوا حالة العداء بين المصريين والدين فزعموا فى البدء أنه من يخرج على شرعية مرسى خارج عن نطاق الدين وأحد علمائهم أفتى بتحريم الخروج عليه فضلا عن اعتصام رابعة الذى كان ميدانا لسب المصريين يوميا والدعاء عليهم فى الصلوات ومن قبل كان ميدانا لتهديدهم المباشر بالسحق والتصعيد وبعد 30 يونيو لا تزال السلمية ككلمة على ألسنتهم غير أن التهديد المباشر باستخدام العنف والتفجير من الأنصار يخالف ما يصرحون به دوما ويخالف أيضا حيازتهم للأسلحة الخرطوش وغيرها ! ولا يعنى ذلك أيضا عدم إدانتنا للاستخدام المفرط للقوة من قبل الأجهزة الأمنية وهو ما يثبته تحقيقات النيابة.
2-
لا أعرف فى تاريخ مصر عاما بلغت فيه الكراهية بين أفراد الشعب وحتى داخل الأسرة الواحدة كالعام الذى حكم فيه الرئيس السابق مرسى ولا يعرف فى التاريخ أن يشتبك الناس فى المساجد بعد الخطب وتتحول ساحات الصلاة إلى أماكن العراك إلا فى زمن الفتن وقد حدث فى زمن مرسى وبعد جمعة التفويض لمواجهة الإرهاب المحتمل، ونزول الملايين التى لا تحصى من بسطاء وموظفين وفلاحين وعمال وأطفال وشباب وغيرهم ولقد لوحظ الفرحة فى عيون هؤلاء وشاهدنا الشباب يرقص فى مجموعات والرجال تبدو أسارير الفرحة على وجوههم وكأن البسمة اندبت إليهم بعد أحزان ولا بد لنا أن نسأل ماذا فعلوا لهم لكى يفرحوا تلك الفرحة ولماذا علق المصريون على قلوبهم صورة الفريق السيسى، وكأنهم فجأة قد رأوا صورة القائد القوى الذى سينجد مصر مما هى مقدمة عليه ! يقينا الشعب المصرى ليس بأبله ولا يعانى من ضعف ذكاء وصحيح أنهم اتهموه بالكفر لكنه لا يزال يصلى ويصوم.
إن محاولاتهم إشعار المصريين بذنب التفويض لهى حيلة رخيصة جديدة وجريمة متوقعة منهم وصحيح أننا قد شعرنا بالحزن بعد ليلة مفرحة على أرواح الضحايا والتى تمنينا أن يكون هناك تحقيق جاد حول تلك المذبحة وتستحق أن يطلق عليها هذا المسمى لكن ليس معنى ذلك أن الشعب مسئول عن دم هؤلاء بل بالأحرى خاطبوا قيادات الجماعة واسألوهم لماذا ألقوا بتلك الأرواح فى تلك النيران ورغم الفتوى الشهيرة من أحد الشيوخ بأنه يجوز للمعتصمين الخروج من الاعتصام إلا أن قيادات الجماعة أبت أن يخرج أحد ونادوا فى الميكروفونات أنه من خرج فإنه مخابرات !
وبالتالى هم داخل أنفسهم لا يشعرون بالأمان فيما بينهم وأخذوا على عاتقهم معاداة الشعب المصرى وخطواتهم التصعيدية تحتاج منا لتأمل : الإدعاء بسلمية الاعتصامات وعلى الرغم من ذلك نجدهم يقطعون الطرق ويشيعون الفوضى ومسيرات لأماكن حيوية فى الدولة وتحويل الصراع المصرى كأنه سورى فصاروا يتحدثون عن انشقاقات فى الجيش ( وهى خيانة عظمى) وشيطنة الفريق السيسى وإعطائه ألقاب رفضتها جموع الشعب وزينت الرجل فى القلوب قبل الصدور بالصور وإصرارهم على المضى قدما فى التصعيد ومحاولاتهم الاستنجاد بالعالم الغربى بمحاولات التدخل الأجنبى ومن المؤكد أن ارتداء ثوب الضحية عليهم شفاف لدرجة تبين عن عدم صدقهم ولنذكرهم يوم أن دافعوا عن وزارة الداخلية فى مجلس الشعب، وأنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة رغم اعتراضات الليبراليين وتحذيراتهم أن هناك من يرتدى زى الشرطة والجيش للوقيعة بين الشعب ومؤسساته الأمنية ومطالبتهم أيام ما كان المعزول فى السلطة بفض أى اعتصام بالقوة والرئيس مرسى نفسه طالب الداخلية والجيش بالتعامل الحازم مع من يقطع طريقا وتطبيق القانون !
لماذا ارتدوا على آرائهم الآن ولماذا عندما يتم تطبيق القانون نجدهم يغيرون ما كانوا قد نادوا به من قبل ؟!
3-
فى مبادرات الحل تيار لا يوافق على أى حل لا يتضمن عودة الرئيس المعزول بقرار شعبى والتيار الآخر مصمم على فكرة قبول خارطة الطريق كأساس للحوار وبينهما يسيل الدم !!
فى رأيى إن أى مبادرة لا بد أن تتضمن أمرين هامين :
أولا لابد من أن تهدف من حقن الدماء
ثانيا لا بد من رؤية الواقع على الأرض
أى مبادرة لا تشمل هذين العنصرين فمصيرهما الفشل والنصيحة التى أقدمها الآن للإخوان المسلمين أن يتجاوبوا مع أى مبادرة تضمن لهم العودة للنشاط السياسى، لأنهم يخسرون فعلا على أرض الواقع وتقديم أنفسهم فى وجه إسلامى ينتقص من الفكرة الإسلامية عموما فى أوجهها سواء من الجماعات أو الأحزاب المعتدلة كحزب النور، وعلى الأقل إن الرهان على الدم ينتقص مستقبلا من الرهان على الدعوة ولا يوجد خطيب مسجد متعاطف مع الفكرة السياسية الإسلامية إلا ويهرب بعد الخطبة من غضب الناس وهو مؤشر خطير جدا لا يصح معه الاستمرار فى العناد والضحك علينا فى أن الأنصار الذين نزلوا الشوارع أكثر من 20 مليون وهو كذب واضح لأننى أتفهم أن يقولوا مليون أو اثنين أو حتى أربعة ملايين على أحسن تقدير لكن الرهان العددى الذى كانوا يتفاخرون به من قبل قد تم تدميره بعد أن نزول حزب الكنبة وهو الأغلبية الحقيقية فى الوطن، ولذا يجب عليهم فعلا أن يحقنوا دماءهم وهذا العنصر الأول مسئولية قادة الإخوان فالله سيحاسبهم على كل هذه الدماء التى تسيل والعنصر الثانى مسئولية الرئاسة، وهى إعادة دمج تلك الجماعة فى الخريطة السياسية بعد محاسبة المتورطين منهم والكف عن التحريض والاستقواء بالخارج لأن البديل سيكون نهاية الجماعة للأسف وخسارة المشروع الإسلامى والذى فشلوا هم فى تطبيقه وجعله يحظى بعداء الرجل البسيط !
آن الأوان أن يتقدم من يعيد الثقة فى ذلك المشروع وآن الأوان أن يقدم الحرية والعدالة اعتذارا على فشلهم طيلة العام الماضى ونحن كشعب نحب الله ورسوله ونحن الشريعة الإسلامية لكن حتى اليوم لم يوجد من يترجم هذا المنهج العالمى الصالح لكل زمان ومكان إلى واقع حياة بعد أن شوهوا جماله وجعلوه مجرد عصا يضربن به بدلا من أن يأخذونا به إلى العزة والكرامة !.
