"اليوم السابع" فى زيارة خاصة لعائلة الشاعر الراحل حلمى سالم

الجمعة، 02 أغسطس 2013 02:52 م
"اليوم السابع" فى زيارة خاصة لعائلة الشاعر الراحل حلمى سالم زيارة خاصة لعائلة الشاعر الراحل حلمى سالم
كتب ياسر أبو جامع وإيمان عادل تصوير ماهر أسكندر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ أمل بيضون: حلمى سالم غازلنى بأشعار حجازى وعبد الصبور ودرويش ودنقل حتى أحببته.. وتزوجنا مرتين الأولى فى لبنان والثانية فى مصر

◄ اشتد عليه المرض فى جولة الإعادة بين "شفيق" و"مرسى" لشدة حزنه على مصر.. وقال: "الواحد معدش مستحمل، والإخوان هيتعبونا ومش هيفيدوا البلد بحاجة"

◄ طقوسه فى الكتابة متعبة كان يعلق ما يكتبه على الحائط.. وقال لنا: "مش هتحسوا بقيمتى غير لما أموت".. وبعد وفاته خشيت أن ينساه الجميع ولا ألوم أصدقاءه فلديهم آلامهم ولا أطلب من أحد أن يهتم بمشروعه حتى مؤسسات الدولة

◄ حنين حلمى سالم: أبى يرى الآخرين نعيمًا ويرى فى مقولة "سارتر" إنكاري للآخر وتجنى عليه.. ومنزلنا كان صالونا ثقافيا طوال فترة معرض الكتاب وفى أعياد الميلاد.

كل ما يتطلع له الشاعر أن يظل نصه الشعرى متوهجًا وملهمًا لمن يسمعه أو يقرأه، وهذا لن يحدث إلا إذا امتلك تجربته الشعرية الخاصة به، وأن يكون مجددًا ومضيفًا للقصيدة والشعر، وحلمى سالم الشاعر والسياسى والصوفى والإنسان ذو العلاقات الاجتماعية الكثيرة، كان واضعًا يده على تجربته الشعرية، ولذلك استطاع أن يحفر اسمه وسط قامات الإبداع العربى، واعتبره الكثيرون من أهم شعراء جيل السبعينات.

وفى الذكرى السنوية الأولى لرحيله كان لـ"اليوم السابع" يوم رمضانى فى استضافة زوجته السيدة "أمل بيضون" بمنزلهم، بين أوراقه، ومكتبته الزاخرة، ومكتبه الملىء بالجوائز التى فاز بها كمبدع، وحكت لنا "بيضون" عن الجانب الشخصى والإنسانى من حياة الشاعر حلمى سالم.

بعد أن فتحت لنا باب المنزل واستقبلتنا بدفء ومحبة، واصطحبتنا لغرفة "الصالون"، فتحت لنا ذاكرتها وعادت بالزمن إلى بيروت، إلى أول لقاء جمعها مع حلمى سالم الشاعر، فقالت: كنت أعمل فى مجلة "بلسم" التى كانت تهتم بنشر الكتب الطبية والفكرية، وكان رئيس تحرير المجلة صديق لـ"حلمى"، والذى أتى ليعمل معنا، ثم بعد أيام من عمله معنا بدأ "حلمى"، يدخل كل يوم إلى مكتبى، ويترك عليه كروت مكتوب عليها قصائد رومانسية، لأحمد عبد المعطى حجازى، وصلاح عبد الصبور، وغيرهما، حتى بدأت علاقتنا تتوطد، وكان يجمع كل العاملين بالجريدة، ويتحدث عن الشعر والأدب، ويقرأ علينا قصائد لمحمود درويش، وأمل دنقل، وصلاح عبد الصبور، حتى أحببت حالته وتعلقت به، وتزوجنا.

كنا ندور فى عينيها، وتدور أعيننا فى أركان البيت، سائلين أنفسنا عن أى الأماكن التى اعتاد حلمى سالم الجلوس فيها، هنا أم هناك، وأين مكتبه حتى فاجأتنا قائلة: أن حياة "حلمى" كانت تدور حول ثلاثة محاور الشعر وأصدقائه وكرة القدم، كنت أحس أحيانا بالضيق من حياته المتسعة بالآخرين وللآخرين، وأقول له "يا تعلمنى أحبهم زيك واتشغل بيهم، يا إما انت تسيبهم وتفضالى شوية"، ومع ذلك ظل كما هو حتى وفاته.

وطلبنا من السيدة "بيضون" أن نرى مكتبه ونتأمل مكتبته، فاصطحبتنا، وهناك بجوار المكتبة ظلت تمسك بأشياء "سالم" وأوراقه، وتحكى لنا عن طقوسه فى الكتابة، وتقول كانت طقوسه فى الكتابة متعبة جدا، فقد كان يكتب ويلصق ما يكتبه على الحائط، وكنت عندما أخرج من البيت وأتركه، أعود لأجد الحائط عبارة عن أوراق مكتوب عليها شعر، ويمنعنى أن أنزعها حتى ينتهى من كتابة القصيدة كاملة، ثم أنزعها بعد ذلك لأرتبها معه، فقد كان يحب أن يرى ما يكتبه أمام عينه، حتى تتم الكتابة ويعدل فى القصيدة أو يضيف لها كما يشاء.

ولم تكمل لحظات وهى صامته حتى زجها الشوق إلى الحكى عن ذلك الشاعر الممتلئة كلماته وأشعاره بالبهجة قائلة: كان "حلمى" لا يحب أن يرى آلامه وأحزانه أحد، وكان يخفى حزنه ويصوغه شعرا، فقد كان يكتب قصيدة كلما سمع خبرا عن الحرب فى لبنان أو فلسطين، بعد عودتنا لمصر، وقصائده تحمل قدرا كبيرا من الألم، والحزن على وضع الوطن، خاصة الفقراء منهم، مضيفةً، فى فترة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية السابقة، بين أحمد شفيق ومحمد مرسى، كان حزينا جدا، وكانت تلك المرة من المرات القليلة التى ظهر عليه حزنه، واشتد به المرض، وكنت أحاول أن أخفف عنه وأقول له "هذا حال السياسة، ودعنا نجرب حكم الإخوان لمدة واحدة، ولكنه كان يرد: "الواحد معدش مستحمل، والإخوان هيتعبونا ومش هيفيدوا البلد بحاجة"، فأزمته مع المتأسلمين، بدأت منذ مشكلة الرجعيين مع قصيدته "شرفة ليلى مراد"، وكان يعلم أن الإخوان وتابعيهم سيحاربون الإبداع والمبدعين، وإلا فسدت تجارتهم بالدين، فى مجتمع ينضج وعيه بعد ثورة 25 يناير، فكيف يتثنى للإخوان أن يتركوا الثقافة تساهم فى زيادة هذا الوعى.

وظلت تقلب فى مكتبة حلمى سالم، حتى أخرجت لنا ديوانه الأخير، والذى جمعت به الهيئة العامة للكتاب آخر ديوانين له "حديقة الحيوان.. ومعجزة التنفس"، وقالت لنا أن قصائد هذا الديوان كتبت بين مستشفى المعادى والمنزل، وابتسمت فجأة، وقالت: فى الحقيقة أنا وحلمى كانت بيننا مواقف كثيرة، وحياتنا مليئة بالمواقف التى تستحق أن تعلق بالذاكرة، لكن هناك ثلاثة مواقف لن أنساهم طيلة حياتى، الأول أننا تزوجنا مرتين مرة فى لبنان والأخرى بعد عودتنا لمصر، وسبب ذلك أنه بعد تهدم بيتنا فى لبنان، ضاعت ورقة زواجنا، وعندما عدنا لمصر لم يكن معنا ما يثبت أننا متزوجان، فتزوجنا هنا مرة أخرى، والثانى أن أول خروج لى فى مصر مع "حلمى"، كان زيارتى لغرفة 8 بمعهد السرطان، فقد اصطحبنى معه لزيارة الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل، فى المستشفى، وكانت هذه ثانى مرة أرى "دنقل" فيها، وأول مرة أراه عن قرب، والموقف الثالث عندما جائتنى آلام الوضع فى ابنتنا الأولى، وكان ذلك يوم الاثنين، والاثنين هو يوم اجتماع جماعة إضاءة 77 الشعرية، فنقل "حلمى" الاجتماع إلى المستشفى، فقد أتى بهم جميعا إلى المستشفى، وهذه المواقف لن تغيب عنى فهى رغم بساطتها لكنها تركت أثرا بداخلى.

ثم جلسنا على أريكة مواجه لمكتب "سالم" وحولنا من كل جانب مكتبته ذات الأرفف العالية والممتلئة بالكتب التى تجرى ريق كل محب للقراءة، حتى أنقذتنا مما أصابنا من دوار ونحن فى قلب سفينة كتبه قائلة: كنت أخشى أن ينساه الجميع بعد وفاته، وكنت ساعتها لا أستطيع أن ألقى باللوم على أصدقائه، فهم لديهم آلامهم الخاصة، ولدى كل واحد منهم مشروعه الذى يعيش من أجله، ولذلك لن أطلب من أحد أن يهتم بمشروع حلمى سالم، وحتى مؤسسات الدولة لا أستطيع أن ألقى عليها اللوم، لأن حلمى مات فى ظروف صعبة، فالبلد فى حالة ثورة، والأوضاع غير مستقرة، وما فعلته جماعة الإخوان المسلمين فى الشهور القليلة الماضية بوزارة الثقافة، يجعلنا لا نستطيع أن نلوم أحدا على تقصيره فى حقه، ولكن ما يحدث الآن من اهتمام بالذكرى الأولى له جعلنى أطمئن، ويذكرنى هذا بما قاله لى ولبناته قبل وفاته: "انتوا مش هتحسوا بقيمتى غير لما أموت"، وأضافت "بيضون" أنا وبعد زواج امتد لأكثر من 30 عاما، وها هو عام آخر مرَّ على وفاته، لم أتمكن من فهم حلمى سالم كليا، رغم أنى كنت أكثر من فهمه واستوعبه، واتضح لى بعد وفاته أنه كان يعيش، ويتنفس ويأكل ويشرب رضا، حتى وهو ميت كان وجهه راضيا، رغم أنه لا يحب الموت، فهو يمتلك رضا داخلى وقدرة على إقناع من يتحدث معه، ما يجعل كل من يعرفه يحبه من أول لقاء، وهذا دليل على إنسانيته، إضافة إلى أنه كان لا يحب أن يشكو لأحد، وكان دائما يقول: "لا أحب أن أنزل على الآخرين مرارتى"، لكنه كان يبكى، ويترجم أحاسيسه وغضبه إلى شعر.

وروت لنا ابنته الصغرى "حنين" علاقتها بوالدها فى الشهور الأخيرة قبل وفاته فقالت: "عندما كنت صغيرة كنت لا أحب الشعر، ولأنى أصغر بناته، كان والدى مرتبطا بى جدًا، وكنت لا أشعر بذلك، ولكنى اكتشفت فى آخر عام من حياته، وهى الفترة التى كنت قريبة جدًا منه، لأن المرض كان قد اشتد عليه، وشاء القدر أن أكبر سنًا وعقلاً، فى نفس الوقت الذى يكبر فيه والدى، وزادت مساحة تواجده معنا فى البيت، وقتها أدركت أنى أفهمه، وكان أغلب كلامه معى عن الشعر، وأصدقائه الشعراء، وعن الثقافة والسياسة، لأنهم كانوا شغله الشاغل أغلب عمره.

وضحكت "حنين" ضحكة ربيعية، وقالت: كان والدى عندما يشارك فى تحكيم مسابقة شعرية، ويقرأ نصًا لأحد الشعراء ويعجبه يظل فرحًا جدًا به ويحاول معرفة اسم الشاعر الذى كتب النص ليقول له رأيه فيه، كما كان يجمعنا ليقرأ علينا المقطع أو الصورة الشعرية التى أعجبته، وهو يقول "إزاى جاب الصورة دى.. أكيد هيبقى شاعر كبير لو استمر فى الكتابة وداوم على القراءة"، وظلت ابتسامتها عالقة، وهى تنظر إلى مكتب والدها، و تقول: أذكر أن منزلنا كل عام، طوال فترة معرض القاهرة الدولى للكتاب، يتحول إلى صالون ثقافى، يظل أبى وأصدقائه، منذ عودتهم من ندوات المعرض حتى الصباح، يتحدثون فى الأدب والشعر والمشاكل الثقافة فى مصر والوطن العربى، فلقد كان يأتى معه أحد الشعراء العرب من أصدقائه، مثل الشاعر الكبير أدونيس، وغيره من كبار الشعراء العرب.

وأتت حنين بألبوم صور لوالدها مع أصدقائه ومع عائلته، وهى تخبرنا أين التقطت الصورة ومن مع والدها، كما علمها أبوها، وعلقت على كثرة الصور قائلة: "أبى كان يحب الناس جميعا، وكان دائما يقول أن سارتر أخطأ عندما قال "الآخرون هم الجحيم" بينما "الآخرون هم النعيم" لأننا نحتمى بهم، وكان يرى فى مقولة سارتر إنكاار للآخر المختل، وتجنى عليه، والآخر الذى تدعو كل المبادئ الإنسانية أن نحبه ونحترمه ونقدر اختلافه، وأبى كان يضفى دائما البهجة على من حوله، كما أن كل من عرفه أحبه، فهو يمتلك العديد من الأصدقاء بمختلف الجنسيات والأجناس".






























































مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة