البنوك المحلية والمغتربون يساعدون لبنان على تجنب أزمات المنطقة

الجمعة، 02 أغسطس 2013 09:43 م
البنوك المحلية والمغتربون يساعدون لبنان على تجنب أزمات المنطقة ناشد رئيس الوزراء اللبنانى نجيب ميقاتى
دبى (رويترز)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ينزلق المشهد السياسى فى لبنان إلى صراع طائفى ويتعطش اقتصاد البلاد للاستثمار ولكن سنداتها السيادية مستقرة واحتياطاتها من النقد الأجنبى مازالت متماسكة وليس هناك ما يشير إلى أى ضغوط خطيرة على العملة المحلية.

هذا التباين الشديد يشير إلى أن البلاد قد تنجو من الأزمة الاقتصادية التى اجتاحت بلدانا أخرى أثناء انتفاضات الربيع العربى رغم الضرر المتزايد الذى يعانى منه لبنان جراء الحرب الأهلية الدائرة فى سوريا.

علاوة على ذلك لايزال اللبنانيون المقيمون فى المهجر والبالغ عددهم نحو 14 مليونا يرسلون مليارات الدولارات إلى بلدهم كل عام علما بأن عددهم يزيد على ثلاثة أمثال السكان المحليين البالغ عددهم نحوأربعة ملايين نسمة.

ويساهم ذلك فى نموودائع البنوك ويمكنها من مواصلة شراء السندات الحكومية وهو ما يعنى أن الحكومة يمكنها تعزيز الإنفاق سعيا وراء تخفيف حدة التوتر الاجتماعى والحفاظ على حد أدنى من الاستقرار السياسى اللازم لجذب المزيد من التحويلات.

ويصف بعض المصرفيين والاقتصاديين ذلك بأنه عنصر ذو ثلاث محاور قائم على الحاجة المتبادلة ساعد لبنان على الصمود فى أزماته السياسية المتكررة منذ انتهاء حربه الأهلية فى عام 1990 ويبلى بلاء حسنا فى الاضطرابات الحالية.

وقال نسيب غبريل كبير الاقتصاديين فى بنك بيبلوس فى بيروت إن الوضع ليس مثاليا ولكن الناس لا تشعر بالذعر لأن البلاد واجهت أوضاعا مماثلة من قبل، وتشكل الحرب الأهلية السورية عبئا ثقيلا على الاقتصاد اللبنانى بإشعالها شرارة التوترات الطائفية فى لبنان.

ويعجز رئيس الوزراء المكلف تمام سلام عن تشكيل حكومة منذ مارس آذار الماضى عندما استقال سلفه من منصبه وتأجلت الانتخابات التشريعية حتى نوفمبر تشرين الثانى من عام 2014. وتخوض الميليشات المتنافسة والجيش معارك فى مدينتى صيدا وطرابلس الساحليتين.

وتسبب ذلك فى خفض تدفقات استثمارات المحافظ والاستثمارات المباشرة وتراجعت إيرادات السياحة بعد أن أصدرت دول الخليج وغيرها تحذيرا لرعاياها من السفر إلى هناك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.

وأسفر ذلك عن انخفاض حاد فى تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان. ويقول معهد التمويل الدولى - وهومجموعة مصرفية عالمية - إن صافى تدفقات رؤوس الأموال الخاصة تراجع إلى 2.4 مليار دولار العام الماضى بعد أن بلغت ذروتها فى عام 2009 عندما سجلت 12 مليار دولار ومن المتوقع أن تنخفض مجددا إلى 1.6 مليار دولار فقط فى عام 2013.

ويمثل هذا ضربة قاصمة لاقتصاد يبلغ ناتجه المحلى الإجمالى نحو45 مليار دولار. وتراجع معدل النموالاقتصادى من مستويات تقارب الثمانية بالمائة فى الفترة بين عامى 2007 و2010 إلى 1.3 بالمائة فقط العام الماضى ومن المتوقع أن تقترب من هذا المستوى العام الحالى.

غير أن تدفقات التحويلات التى يرسلها المغتربون اللبنانيون مستقرة. وتشير تقديرات البنك الدولى أن هذه التحويلات بلغت 7.5 مليار دولار فى العام الماضى دون أن تسجل تغيرا يذكر عن عام 2011 ويقول مصرفيون فى بيروت إن الاضطرابات السياسية الأخيرة لم تؤثر عليها كثيرا.
وقد ساعد ذلك على استمرار نموالودائع فى البنوك التجارية اللبنانية. وأظهرت بيانات البنك المركزى أن إجمالى ودائع المقيمين وغير المقيمين من المنتمين للقطاع الخاص فى البنوك التجارية قفزت إلى 182.6 تريليون ليرة لبنانية (121 مليار دولار) فى مايو أيار من 168.3 تريليون ليرة قبل عام.

ويقدر فيليب الحاج نائب المدير العام فى فرنسبنك بالعاصمة بيروت أن ودائع النظام المصرفى نمت ثلاثة بالمائة فى النصف الأول من عام 2013 وأنها ستنمو بنسبة تتراوح بين خمسة وستة بالمائة على مدار العام كله.

وقال: "يرجع هذا فى المقام الأول إلى المغتربين اللبنانيين والفائدة المتراكمة على الودائع. لا أرى سببا يدعوإلى انخفاض التحويلات إلى لبنان فهؤلاء الذين يساعدون أسرهم فى الداخل لن يتوقفوا عن تقديم مساعدتهم لها وسيجدون طرقا كثيرا لمواصلتها."

ومكنت الودائع المتنامية البنوك اللبنانية من الاستمرار فى شرائها لسندات الحكومة وشراء كل ما يبيعه المستثمرون الأجانب لتبقى أسعار السندات الحكومية مستقرة إلى حد كبير.

ولم يرتفع العائد على سندات لبنانية بقيمة 650 مليون دولار مستحقة فى عام 2019 وطرحت بفائدة 6.05 بالمائة سوى 40 نقطة أساس منذ منتصف مايو أيار لتتفوق على سندات الكثير من الأسواق الناشئة التى قفز عائدها 100 نقطة أساس أو أكثر بسبب مخاوف من تصاعد العائد على سندات الخزانة الأمريكية.

ومن بين التهديدات التى قد تشكل خطرا على التحويلات اللبنانية رد الفعل السياسى المناهض للشيعة فى الخليج إذ تعاقب الدول الخليجية حزب الله اللبنانى على تدخله فى سوريا بطرد المغتربين اللبنانيين المرتبطين به وتتطلع إلى الحيلولة دون دخول أى تمويلات غير مشروعة إلى لبنان.

ولكن ليس من الواضح أن عدد الأشخاص المتأثرين بذلك سيكون كبيرا بالقدر الكافى لانخفاض إجمالى التحويلات التى ترسل إلى لبنان من جميع أنحاء العالم. وفى الوقت نفسه قال مصرفيون إن هناك أحداثا أخرى صبت فى صالح لبنان من بينها أزمة الديون القبرصية التى أسفرت عن استعادة بيروت لمئات الملايين من الدولارات من قبرص هذا العام.

ولا شك أن اعتماد لبنان على التحويلات له تكلفته. فعلى سبيل المثال تبقى البنوك اللبنانية على أسعار فائدتها عند نحوثلاث نقاط مئوية فوق الأسعار الأمريكية لجذب الودائع حتى وإن كانت الليرة اللبنانية مرتبطة بالدولار الأمريكى.

غير أن النظام سيظل قويا مادام هناك ربط بين العملتين والذى يدعم ثقة المغتربين فى أن تحويلاتهم لن تفقد قيمتها.

وحتى الآن لم تبد الاضطرابات السياسية الحالية أنها تهدد بتشكيل ضغوط على الليرة على عكس بعض الأزمات الأخرى التى اندلعت فى العقدين الأخيرين. وزاد إجمالى احتياطات البنك المركزى من العملات الأجنبية والذهب إلى 44.4 مليار دولار فى مايو أيار من 44 مليار دولار قبل عام.

وقال غبريل إن الليرة تعرضت لضغوط ثلاث مرات فى الأعوام الماضية. فقد أدى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى عام 2005 إلى خروج ودائع بنكية من البلاد تمثل خمسة بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى على مدار بضعة أسابيع ودفع الهجوم الإسرائيلى على حزب الله فى عام 2006 إلى خروج ودائع تمثل ثلاثة بالمائة من الناتج المحلى بينما أدى سقوط حكومة سعد الحريرى عام 2011 إلى خروج ودائع تقل نسبتها عن واحد بالمائة.

وتتمثل إحدى نقاط الضعف أيضا فى خطر تضخم ديون الدولة التى بلغت الآن نحو 140 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى حتى تتجاوز قدرة البنوك على تمويلها. وقد تزيد الأزمة الحكومية الحالية من المشكلة بأن تعرقل الجهود الرامية إلى السيطرة على الانفاق. ويتوقع صندوق النقد الدولى ارتفاع عجز الموازنة إلى 9.7 بالمائة من الناتج المحلى الإجمالى هذا العام من تسعة بالمائة فى 2012.

ولكن بالنظر إلى أن ودائع البنوك التجارية تعادل مثلى حجم الديون الحكومية تقريبا فإنه لا يبدو أن هناك خطرا يذكر بفقدان البنوك قدرتها على شراء السندات فى المستقبل المنظور ما لم تسجل الودائع تراجعا حادا.

وقال مصدر قريب من البنك المركزى طالبا عدم نشر اسمه نظرا لحساسية الموضوع "نجا ربط الليرة بالدولار خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة رغم الحرب الأهلية التى استمرت 15 عاما والصراعات مع سوريا والحروب الإسرائيلية المتعددة. فلماذا سيتغير هذا الآن؟ إنه أمر مستحيل تماما".





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة