يحكى أن رجلاً بسيطاً فى إحدى القرى الواقعة جنوب موسكو فى زمن روسيا القيصرية كان يعانى من الهم والفقر والمرض، كثير العيال، قليل الخيال، فلم يجد أمامه مخرجاً سوى اللجوء إلى الانتحار، فخرج ذات صباح كى يلقى بنفسه فى النهر القريب، وحين هم بذلك وأصبحت إحدى ساقيه بالفعل فوق سور الجسر الحجرى المتآكل، اقترب منه رجل عجوز، رث الثياب مثله، وجذبه برفق وشرح له أن الانتحار ليس هو الحل، وأنه فكر أن يفعل ذلك أيضاً إلا أن حاخاماً يهودياً يسكن فى كوخ غربى القرية أنقذه بعلاج سحرى، ونصحه أن يتوجه إلى ذلك الحاخام كى يعالجه.
عندما دخل كوخ الحاخام أول مرة، هاله تواضع وقذارة المكان الذى يفترض أن الذى يعيش فيه من أحكم الناس، وكاد يعود على عقبيه، إلا أن صوتاً ضعيفاً وكأنه فحيح ناداه كى يدخل، وبعد أن حكى للحاخام همومه وأحزانه، حك الرجل الحكيم ذقنه وسأله عن عدد الغرف التى يعيش فيها مع أسرته، ولما علم أنها ثلاث غرف، طلب منه أن يعيش هو وزوجته وأولاده السبعة فى غرفتين فقط، ورغم دهشة الرجل المسكين إلا أنه لم يكن لديه خيار آخر، وقام بتنفيذ وصية الحكيم.
مر شهر وازدادت حالته سوءاً وتدهوراً، فتوجه غاضباً إلى الحاخام شاكياً من أن نصيحته زادت حياته ضيقاً على ضيق، فما كان من الحكيم إلا أن نصحه بحزم أن يترك كل غرف البيت، ويكتفى بغرفة واحدة ومعه كل أسرته، على أن يوافيه بعد شهر كى يعرف نتيجة العلاج.. وعاش الرجل البسيط أسوأ أيام حياته فى الوضع الجديد، بعد أن تكدس مع أسرته فى غرفة واحدة يصعب فيها التحرك، أو حتى التنفس، لكنه صبر وتحمل حتى يمر الشهر المتفق عليه.
اقتحم كوخ الحكيم غاضباً وهو يصيح فيه مؤنباً أن علاجه قد جعل حياته جحيماً مقيماً، فهدأ الحاخام من روعه، واستمع إلى شكواه بصبر، ثم طلب منه فى النهاية أن يواصل الالتزام بالعلاج، وأنه سوف يبرأ من كل الأسقام، وأوصاه بأن يشترى خنزيراً فى طريق عودته إلى منزله، وأن يأخذ هذا الخنزير كى يعيش معهم فى الغرفة.. فصرخ الرجل المسكين محتجاً بأن ذلك لا يمكن أن يطاق، وأنه لن يواصل هذا العلاج العقيم، وخرج وهو يتمتم ويهذى كالمجنون، ولكنه ما أن اقترب من سوق المدينة حتى فكر فى الرجل العجوز الذى قابله عند الجسر حين فكر فى الانتحار، والذى أكد له أن علاج هذا الحاخام ناجع، فقام بشراء الخنزير، وأخذه كى يعيش معه ومع أسرته فى الغرفة تنفيذا لنصيحة الحاخام.
لم يكد الشهر المتفق عليه يمر حتى اندفع الرجل المسكين وقد سوره غضب عارم إلى كوخ الحاخام كى يقتله بعد أن تسبب فى دمار حياته بهذا العلاج الذى خنقه وخنق أهل بيته، وما أن اقتحم الكوخ حتى وجد الحاخام يجلس فى هدوء وهو يعبث فى ذقنه متبسماً، وطلب منه فى هدوء أن ينزع الخنزير من الغرفة ثم يعود بعد أسبوع كى يخبره بحالته. ومر الأسبوع وعاد الرجل المسكين بعد أن نفذ ما طلبه الحاخام، ولكنه هذه المرة دخل الكوخ مبتسماً سعيدا، وانحنى على يد الحاخام يقبلها شاكراً، وهو يردد أنه يعيش أسعد أيام حياته، وهنا قال له الحكيم إنه يستطيع أن يفتح باقى الغرف كى يعيش فيها جميعاً.. كاد الرجل أن يرقص فرحاً، وهو يمسك بأسباب السعادة كلها.. أما الحيوانات الأخرى فاتركها لتقدير وخيال القارئ العزيز.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن من جمهورية الموز
الحيوانات الآخرى
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد الله
العبرة بالافعال
عدد الردود 0
بواسطة:
باسم سعد
كل لبيب بالاشارة يفهم
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس مدحت عاطف
الى الأراجوز بتاع جمهورية الموز
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علي
الفاشية تنتشر في مصر
خانك التعبير متناسيا ثقافة مجتمعك او انك شوفيني