تناول الأدب الفاشية الدينية والسياسية وتنبأ بها وفى كثير من الأحيان كان سابقا للواقع فى رسم ملامح المستقبل حينما يحكمه ويتحكم فيه الفاشيون، فى مسرحية جان بول سارتر "اللعبة القذرة" تصوير يكاد يطابق اللعبة القذرة التى تلعبها الفاشية الدينية فى مصر الآن، يرسم صورة الإنسان مغيب الوعى بتأثير جماعة أو حزب يسيطر عليه بأنه يشبه حجر الشطرنج ينقله اللاعبون من نقطة لأخرى بحسب المكسب المتوخى من هذه النقلة فى إطار لعبة كبيرة لا يفهمها، هكذا حال الإتباع فى السياسة المختلطة بالدين يسيرون بتبعية عمياء خلف قادتهم دون أن يعقلوا حقيقة دورهم فى هذه اللعبة.
فى كتابه "طبائع الاستبداد" يرسم عبد الرحمن الكواكبى صورة دقيقة للمستبد ورعيته فيصف المستبدَّ بأنه لا يخرج قطّ عن أنّه خائنٌ خائفٌ يحتاجٌ لعصابة تعينه وتحميه، فهو ووزراؤه كزمرة لصوص، فوزير المستبدّ هو وزير المستبدّ، لا وزير الأمّة وكذلك القائد يحمل سيف المستبدّ ليغمده فى الرقاب بأمر المستبدّ لا بأمر الأمة، بل هو يستعيذ أن تكون الأمة صاحبة أمر، لما يعلم من نفسه أنَّ الأمّة لا تقلِّد القيادة لمثله. ويصف جماهير الرّعية بانهم متفرجون، طائشون مهللون مسبِّحون بحمده، او مسحورون مبهوتون كأنهم أموات هؤلاء أشقى خلق الله حياةً، يرتكبون كلَّ جريمةٍ وفظيعة لحساب المستبدِّ الذى يجعلهم يمسون ويصبحون مخبولين مصروعين، يُجهدون الفكر فى استطلاع ما يريد منهم فعله بدون أن يطلب أو يصرِّح ولا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط فى ظلامة جهل وتيه وعماء، فلو كان المستبدُّ طيراً لكان خفّاشاً يصطاد هوام العوام فى ظلام الجهل، ولو كان وحشاً لكان ابن آوى يتلقّف دواجن الحواضر فى غشاء الليل.
ويمضى الكواكبى فى وصفه للمستبد وحاشيته بانهم دائما ما يتغنون بقيم الحرية والعدالة والمساواة والفضيلة لكنهم فى الحقيقة أعداء للعدل أنصار للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة» وأنه يتخد من أعوانه سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن، أو توسيع المملكة، أو تحصيل منافع عامة، أو مسؤولية الدولة، أو الدفاع عن الاستقلال، والحقيقة أنَّ كلّ هذه الدواعى الفخيمة العنوان فى الأسماع والأذهان ما هى إلا تخييل وإيهام يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة وتضليلهم
وفى روايته 1984 يتنبأ جورج أوريل بمصير العالم الذى ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام فى جمهوريات الأخ الأكبر الذى يراقب كل شيء ويعرف كل شيء، حيث يمثل حكمه الحكم الشمولى. وتتحول القيم الإنسانية كالعدالة والحرية إلى أشياء هامشية ويتسع المجال لسطوة الأحزاب السلطوية والشمولية على الناس والشعوب ليكونوا مجرد أرقام هامشية فى الحياة بلا مشاعر ولا عواطف وليس لديهم طموحات أو آمال، حيث يعملون كالآلات خوفا من الأخ الأكبر ولينالوا رضاه لأنه يراقبهم على مدار الساعة.
وعن تناول الأدب المصرى للفاشية يقول الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى: الشعر والنثر المصرى تناول الفاشية باعتبارها شكلا من أشكال الطغيان، لأن الفاشية بالمعنى الدقيق صفة لبلاد أخرى فى أوروبا، فالكلمة أصلها إيطالى والفاشيون هم حزب موسيللينى الذى استولى على السلطة فى أوائل العشرينات، واستمر لنهايات الحرب العالمية الثانية، وخلط بين القومية المتطرفة والطغيان والاستبداد والديكتاتورية واستخدام الميليشيات المسلحة. وهذه الصورة لم تحدث فى مصر إلا عندما استولى الإخوان المسلمون على السلطة فهم فاشيون منذ بداية ظهورهم فى العشرينات من القرن الماضى، بل كان ظهورهم فى مصر بتأثير الفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا، وكان للبنا وأنصاره وقتها تصريحات تتعاطف مع الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية.
والأدب المصرى تناول ظاهرة الطغيان بشكلها التقليدى القديم الذى كرس له المماليك والعثمانيون ومن سبقهم من الاحتلالات، وتناول تصدى المصريون لها وثوراتهم ضدها واستلهم من الثورة العرابية ووقوف المصريين فى مواجهة الخديوى توفيق ومطالبتهم بالدستور وتصديهم للاحتلال البريطانى، وعكست النصوص الأدبية دائما ظاهرة الطغيان، فمسرحيات صلاح عبد الصبور "بعد أن يموت الملك" و"مأساة الحلاج" هى ثورة على الطغيان وكذلك مسرحية "السلطان الحائر" لتوفيق الحكيم ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوى، وعدد لا بأس به من مسرحيات ألفريد فرج، وقصائد أمل دنقل، وتناول أدباء كثيرون الظاهرة الإرهابية فى أعمالهم كنجيب محفوظ وبهاء طاهر وجمال الغيطانى وعبد الحكيم قاسم فى قصته "المهدى" تناول التعصب والتطرف الدينى.
وتناولتها فى عدد من قصائدى مثل "مرثية للعمر الجميل" وقبلها "الشاعر والبطل" وعندى قصيدة قديمة لم تنشر ضمن أى مجموعة ونشرتها مجلة روزاليوسف سنة 1965، تناولت فيها أفكار سيد قطب الإرهابية وقتها كان مطلعها: "يريدون اغتيال الشمس بالمسدس"، أعتقد أنهم مازالوا يريدون اغتيال الشمس بالمسدسات.
ويضيف: لى أيضا قصيدة بعنوان "شفق على سور المدينة" كتبتها بعد اغتيال فرج فودة أعتقد أنها نبوءة لما يحدث الآن قلت فيها:
همج رمت بهم الصحارى جنة المأوى
تهر كلابهم فيها وتجأر فى المدى قطعانهم
يمشون فى سحب الجراد
كأن أوجههم لغربان
وأعينهم لذئبان
وأرجلهم لثيران
يدوسون البلاد
ويزرعون خرابهم فى كل واد
وفى مقطع آخر:
رمل منازلها
حدائقها وكانت للظلال الخضر
كانت لليمامة فى الضحى الساجى
وكانت للزنابق والأقاح
صارت خرائب سبخة
يتصاعد الكبريت والقطران فيها
رمل غريب يرتعيها متناسل كالسوس
ينخر فى البلاد وساكينها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة