"ديترويت" واحدة من أغنى مدن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، واحدة من قلاع إنتاج السيارات والمركز المالى الأقوى دائما بأمريكا الشمالية، "ديترويت" أعلنت إفلاسها منذ أيام قليلة، لتتحول حياة الناس بها إلى متاهة، ومحلات تجارية فخمة مهجورة، وتعداد ضباط للشرطة يقل ألف فرد مقارنة بعشر سنوات خلت.
(إن أى شخص يحمل نصف عقل وآلة حاسبة كان يعلم منذ سنوات سابقة أن إفلاس ديترويت قادم لا محالة).. هكذا يقول الكاتب الأمريكى المعروف، مايكل سنايدر، فى كتابه الذى نشر قبل خمسة أشهر من إعلان إفلاس ديترويت، ويحمل عنوانًا لافتًا هو (بداية النهاية)، حيث يشير "سنايدر" إلى أنه "لو أردت أن تعرف مستقبل الولايات المتحدة فعليك فقط النظر إلى ديترويت، تلك المدينة الأكثر ازدهارًا وفخرًا أمريكيًا يجب عليها أن تدفع حجما ضخمًا من الديون يصل إلى 39.7 مليار دولار بعد أن كانت قلعة إنتاج السيارات بالعالم ومن أكبر أماكن العالم جلبًا للإيرادات والأرباح".
ويستنتج "سنايدر" أن السنوات المقبلة لا تحمل التفاؤل بشأن المستقبل الأمريكى إذا ما استمرت الأمور على ما هى عليه، حيث يقول: "نحن نعيش فى أمة بدأت فى التعفن والتحلل.. أمة تغرق فى الديون.. أمة تتسابق نحو الإفلاس والإعسار".
وتبدو المؤشرات عديدة على هذه النتيجة، فثمة 56 ألف منشأة ومؤسسة صناعية أغلقت بشكل كامل داخل الولايات المتحدة منذ عام 2001، وهناك على سبيل المثال 77 ألف جسر وكوبرى تحتاج إلى الترميم أو الإصلاح أو إعادة البناء فى أنحاء البلاد.
وفى هذا الصدد يقول زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ السيناتور "هارى ريد": "إن البرامج الداخلية والتى من أبرزها استبدال البنية التحتية القديمة لم يتوافر لها إمكانية التغيير العاجل، بسبب المليارات التى تنفق فى الحرب على أفغانستان، والتى بلغت 800 مليار دولار حتى الآن، وسوف ترتفع إلى تريليون دولار مع بداية الخروج الأمريكى فى نهاية العام المقبل، وأكثر من تريليون دولار تم إنفاقها فى الحرب فى العراق".
أكثر من ذلك، يشير ريد نفسه لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أمر يلفت النظر، ويتعلق بقبول الناس أو موافقتهم على أداء المؤسسات، حيث يشير ريد إلى أنه حين قدم من ولاية نيفادا إلى واشنطن بعد انتخابه منذ ثلاثة عقود كان معدل الموافقة على الكونجرس يبلغ حوالى 45%، واليوم ينخفض هذا المعدل إلى 10% فقط، وطوال هذه السنوات كانت مؤسسة جالوب الأمريكية المتخصصة فى استطلاعات الرأى تشير إلى أنه لم تحقق أى مؤسسة مستوى قبول أقل مما نحن عليه الآن.
وتشير آخر استطلاعات مؤسسة جالوب إلى أن معدل قبول أداء الرئاسة يبلغ 36% كمتوسط عام، بينما كان يبلغ 58% قبل نحو عقد كامل، وهو ما يشير إلى حجم الصدمة وخيبة الأمل التى يسببها الرئيس باراك أوباما لدى أنصاره ومؤيديه المتحمسين، وهو ما يوحى بأن الجيل الجديد يفقد الأمل فى قدرة الكونجرس الأمريكى أو الرئاسة على إحداث تغييرات جوهرية فى هذا الواقع الصعب.
وبالعودة للغة الأرقام، يشير معهد السياسات الاقتصادية الأمريكى إلى أن الولايات المتحدة تفقد نصف مليون وظيفة فى السنة الواحدة لصالح الصين، وأن هناك العشرات من المدن الصغيرة فى جميع أنحاء البلاد على وشك الإفلاس، وأن ثمة 24 مؤشرًا على أن المدن التى كانت موضع فخر أمريكى تكاد أن تتحول فى السنوات المقبلة إلى مدن منكوبة بالفقر، كما يصفها "سنايدر" الذى يقول: "الصرخة المدوية من القوة العظمى التى أنتجت وأسست كبرى المدن فى القارة الأمريكية وأثمرت أغنى طبقة وسطى وأكبر معدل لدخل الفرد فى الولايات المتحدة، وبالتالى فى العالم كله، فى مدينة مثل ديترويت، إنما تعنى عدم توقف الأمر هند هذا الحد، وأن ثمة مدنًا أخرى سيكون وضعها أكثر كارثية".
ويتساءل سنايدر فى كتابه "بداية النهاية" قائلا: "هل نحن فى خضم انهيار اقتصادى طويل الأجل ينخر فينا كالسرطان؟ وهل سوف تسير الأمور نحو الأسوأ؟".
يقول سنايدر: "تتكاثر الآن المجتمعات المغلقة، وتزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء بمعدلات تنذر بالخطر، وديون الولايات المتحدة التى كانت تبلغ ترليون دولار فى عام 1980 قفزت إلى 17 تريليون دولار فى يوليو 2013، ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن تنشر كبريات الصحف العالمية مثل الفاينانشال تايم وول ستريت جورنال وفرنت بيجز قصصًا عن جشع عمالقة وول ستريت من أصحاب المليارات، بل إن مجلة "الثروة" تقدم لمحة موجزة عن مليونير جديد بشكل شهرى.
ويقول سنايدر إنه "وفقًا لأينشتاين، ليس هناك شىء أسرع من الضوء، 186 ألف ميل فى الثانية الواحدة، لكن ودون إثارة ضجة إعلامية يكاد يقارب معدل التداول بين سوقين من قبل شياطين وول ستريت من سرعة الضوء بشكل يحفظ عوائدهم، حتى إن الاشتراك الشهرى فى خدمة كهذه يصل إلى أكثر من 120 ألف دولار.
أما المؤشرات الاجتماعية فلا تقل خطورة، حيث يشير مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى إلى أن هناك 1.4 مليون فرد ينضمون لعصابات إجرامية، وتشير البيانات الأخرى إلى بعض السلبيات الخطيرة مثل اضمحلال وتناقص المناطق الحضرية، وأن كل واحد من ثلاثة أطفال يعيش بدون أب، وأن هناك الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين فى الولايات المتحدة، يقدم الكثير منهم بدعم من العصابات الإجرامية المنتشرة على الحدود الجنوبية والغربية.
وتقدم مدينة "يان برناردينو" فى ولاية كاليفونيا نموذجًا صارخًا على ما قد يلحق بعض المدن الأمريكية، حيث زادت معدلات القتل بنسبة 50% هذا العام مع دخول المدنية حالة الإفلاس، وتم تسريح 80 من ضباط الشرطة بالمدينة، وفى مدينة أوكلاند بذات الولاية، زادت جرائم السطو المسلح بنسبة 43% هذا العام، فيما قلت نسبة أعداد قوات الشرطة بنسبة 25% مقارنة بعام 2008.
أخيرًا، فإن آراء سنايدار تلتقى مع المؤلف الأخير للسياسى الأمريكى المخضرم والمحلل الاستراتيجى البارز ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى "ريتشارد هاس"، والذى حمل عنوان: "السياسة الخارجية تبدأ فى الداخل: قضية إعادة ترميم البيت الأمريكى"، حيث تناول فكرة أساسية تقوم على أن حروب أمريكا المقبلة ليست فى الخارج وإنما فى الداخل، لأن السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة يجب أن تنطلق من مرتكزات جوهرية تعتمد استراتيجيات طويلة المدى لإعادة ترميم البيت الأمريكى من الداخل، وذلك بعد أن أغرقت الولايات المتحدة نفسها فى حربين غير ضروريتين أنفقت عليهما أكثر من 2 تريليون دولار، كما يقول المحلل الأمريكى "توماس فريدمان".
مايكل سنايدار: إفلاس ديترويت يزلزل عرش القوة الأمريكية
الخميس، 01 أغسطس 2013 05:06 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصر
اللهم احمي مصر
اللهم احمي مصر