فى شهر فبراير الماضى، أجرت هيئة كبار العلماء بكامل أعضائها، اقتراعا لاختيار مفتى جديد خلفا للدكتور على جمعة، وحاز الدكتور شوقى إبراهيم عبدالكريم علام، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، على أعلى الأصوات فى الاقتراع المباشر، وبعد رفع الأمر لرئيس الجمهورية، أصدر قرار بتعيينه مفتى الديار المصرية، وقبل أيام من خروج مظاهرات 30 يونيو مارست تيارات الإسلام السياسى العديد من الضغوط من خلال وسائل الإعلام وغيرها لعدم خروج هذه التظاهرات، بل أن البعض كفر المشاركين فى فيها، إلا أنه بتاريخ 17 يونيو أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاحتجاج والتظاهر فعل "مقبول"، شريطة أن يبقى فى الإطار السلمى الذى يضمن عدم التعدى على الممتلكات العامة والخاصة، ويضمن عدم امتداد يد التخريب إلى منشآت الدولة وتعطيل مصالح المواطنين.
وفى حواره مع "اليوم السابع"، أكد فضيلة مفتى الديار المصرية، أن حل مشاكل الوطن تتلخص فى عبارة بسيطة، ألا وهى، " ترجمة الانتماء الحقيقى لهذا الوطن إلى أفعال للصالح العام وليس لمصالح أخرى"، وإلى تفاصيل الحوار..
انتشر مؤخرًا التطرف من قبل بعض الجماعات المتشددة.. نريد أن نعرف من فضيلتكم صفات الفكر المتشدد فى الإسلام؟
الفكر المتشدد أو المتطرف له عدة خصائص، منها أنه فكر ينكر التفسير والمقاصد والمآلات والمصالح؛ أى أنه يريد أن يحول فهمه للنص إلى دين يجب التزامه من الجميع، ويتميز هذا الفكر بالتشدد الذى من السهل أن يتحول إلى عنف والذى بدوره يتحول إلى صدام والصدام إلى فرض رأى بهذا العنف فيكون إرهابًا، كما أن من خصائص الفكر المتطرف سحب الماضى على الحاضر فالواقع مرفوض عنده وهو لا يدرك مفرداته ويعمل على تغيير هذا الواقع بقناعته الشخصية الماضوية، ومن هنا يأتى الصدام، علاوة على أن هذا النوع من الفكر لا يهتم سوى بالظاهر لذلك تجد المنظومة الأخلاقية عنده باهتة جدًّا أو لا تكاد توجد، وهذا واضح على أصحاب هذا الفكر؛ لأن لديهم مشكلة فى تكوين الأسرة وتربية الأبناء ومشكلة مع الحياة ومشكلة مع الجمال.. وهكذا، ويجب علينا أن تكون غايتنا جميعًا هى محاصرة هذه الأمور والقضاء عليها بالفكر والتربية وبالإعلام والتعامل السوى مع هذه الأفكار المتشددة والأفكار المتطرفة والأفكار الإرهابية، بعد ذلك فى تطورها الطبيعى من بذرة إلى شجرة إلى ثمرة فى هذا المجال.
تشهد مصر حاليا حالة من الاضطرابات حمل خلالها البعض السلاح ونشبت اشتباكات أدت إلى وقوع وفيات.. ماذا تقول؟
أود أن أؤكد على حرمة كل الدماء المصرية التى ترقى فى الإسلام إلى أن تكون أكبر عند الله من حرمة الكعبة ومن زوال الدنيا، لقوله- صلى الله عليه وآله وسلم، "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"، وقوله، "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله".
كما أؤكد على تحريم حمل السلاح فى المظاهرات، أيًا كان نوعه، لأنه يوقع حامله فى إثم عظيم، لأن فيه مظنة القتل وإهلاك الأنفس التى توعد الله فاعلها بأعظم العقوبة وأغلظها فى كتابه الكريم فقال، "ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا"، وقال صلى الله عليه وسلم، "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
كيف ترى الخروج من الأزمة الحالية؟
إراقة الدماء ستقود مصر إلى نفق خطير لا يعلم عاقبته إلا الله جل وعلا، فأؤكد على ضرورة أن يكون المسلم حريصا على ألا تلوث يده بدم أى نفس بشرية بغير حق، وذلك لقول "النبى"- صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المسلم فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".
وإننى أدعو جميع الأطراف بالتحلى بالمسئولية الوطنية، وأن تعلو مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وألا ينحاز طرف على حساب طرف آخر، وأن يدركوا أن الجميع يتحمل المسئولية عن تلك الأحداث وعن هذه الدماء.. مسئولية شرعية ووطنية.
وأطالب بمصالحة وطنية سريعة وعاجلة نحاول من خلالها رأب الصدع وأن يكون الإسلاميون بكل فصائلهم وأحزابهم جزءًا أصيلا من تلك العملية، وأحذر من أن استقراء التاريخ يؤكد أن الاستمرار فى هذا النهج يسهم فى صناعة جيل من الشباب الناقم على ما يتعرض له وساعتها سيخسر الوطن كله لعقود طويلة.
كما أنه لابد أن تكون مدة الفترة الانتقالية ألا تزيد عن ستة أشهر، ويتم الإعلان عن جدول زمنى واضح ودقيق للانتقال الديمقراطى المنشود الذى سيحقق وحدة المصريين وحقن دمائهم.
البعض يرى أن فكرة التقريب بين السنة والشيعة مضيعة للوقت فما رأيك؟
يجب على النخبة أن توجد من الآليات ما تستطيع به مخاطبة جماهيرها وتغيير الثقافة السائدة وإحداث التوازن بين المذاهب الإسلامية المختلفة وهى قادرة على ذلك، حيث إنها نجحت نجاحًا تامًّا فى مجال النخبة، فلا يبعد أبدًا أن تنجح نجاحًا تامًّا فى مجال الجماهير، ولقد بدأت مصر فى سنة 1949 الدعوة للتقريب بين المذاهب ووجوبه، وأن الأمة إنما هى أمة واحدة تسمى بأهل القبلة لأن القبلة تجمعهم جميعًا ونبيهم واحد وكتابهم واحد وصيامهم واحد وإذا كان هذا هو الأصل، فإن أى نوع من أنواع الفرقة لا يكون أبدًا لمصلحة المسلمين لا فى حاضرهم ولا فى مستقبلهم، فالوحدة أمر ضرورى لبقاء الأمة من ناحية وللدفاع عن نفسها من ناحية ثانية ولتهيئتها لمشاركتها فى العمران والحضارة الإنسانية من ناحية أخرى، مع ملاحظة عدم اتخاذ إجراءات معينة لنشر مذهب فى بيئة غير بيئته كما سبق.
البعض ينادى بفصل الدين عن السياسة العامة فى الدول فماذا تقول؟
الدين يرعى شئون الأمة وكذلك السياسة أيضًا، أما السياسة الحزبية فالدين لا يتعرض لها من قريب أو بعيد ولا علاقة له بلعبة الحزبية؛ لأن أدواتها تتغير بتغير الزمان والمكان، ورجال الدين عليهم ألا ينجروا وراء الدعوات التى تجرهم إلى السياسة الحزبية، بل عليهم أن يكون دورهم حَكمًا بين كل الأطراف، وألا ينحازوا إلى طرف من الأطراف على حساب الآخر، وأن يتكلموا عن المبادئ العامة، أو المبادئ العليا التى تحكم المجتمع.
هل من الممكن أن يؤسس المفتى فتواه على ضوء اعتبارات سياسية تخدم اتجاهًا بعينه؟
المفتى يؤسس فتواه وفقًا للشرع ومصالح الناس لا على أى اعتبار آخر، فالإفتاء منهج وطريق واضح محدد يتعلق بمصادره وطرق البحث وشروطه، كما أن أصل الفتوى بها ثلاثة أركان، هى المصادر والواقع الذى نسقط عليه الفتوى وكيفية الوصل بينهما، فالواقع جزء من الفتوى وركن من أركانها، والوصل يتم عن طريق دراسة المصالح والمقاصد الشرعية ودراسة المآلات ما دام ستئول إليه هذه الفتوى، ودائمًا ما نتحرى ذلك لأن هذه أصول الفتوى، وهذه هى الطريقة التى تخرج بها الفتوى.
نريد تعليق فضيلتكم على ما يحدث على الساحة السياسية الآن؟
لا يخفى على أحد ما يحدث الآن فى مصر من الشقاق والتناحر والخلاف والانتصار للمصلحة الشخصية والرأى الشخصى أو الحزبى أو التيار وخلافه فى وقت غابت فيه مصلحة الوطن بل تلاشت، ومن وجهة نظرى فهذا التشخيص السليم للداء، والذى يتطلب منا أن نصف الدواء الناجع لأن التشخيص الدقيق يسهل عملية وصف الدواء الناجع والذى بدوره يؤدى إلى الشفاء إن شاء الله، وأعتقد أن أفضل دواء لذلك المرض هو الوحدة والاتفاق ونبذ الخلاف والشقاق، بالإضافة إلى التأسى بـ"النبى"- صلى الله عليه وسلم- والتحلى بمكارم الأخلاق، وأيضًا إحسان الظن بالآخرين، وهذه معان عظيمة إذا فقدتها أمة ضاعت وانهارت، وإذا تمسكت بها قويت وعظمت واستقامت، فالجميع يدرك أهمية الوحدة ونبذ الخلافات فى هذا الوقت على وجه الخصوص، ونحن ندعو جميعًا ألا يكون الاختلاف فى الرأى سببًا لتباعد الأمة وتفرقها، ففى الوحدة ينتشر الأمن والأمان وتتوافر الحياة الاقتصادية السعيدة لأبناء الوطن.
إن الحفاظ على هذه الوحدة من أوجب الواجبات الآن حتى تستطيع مصر عبور هذه المرحلة الصعبة، وأن مبدأ الاتفاق والوفاق ينبغى أن يكون الميزان الذى توزن به الأمور داخل هذا الوطن، كما أنه علينا أن نلتفت إلى التنمية والتى لابد أن تكون على وجهين، الوجه الأول مواجهة مشكلاتنا الكبرى وعلى رأسها البطالة والفقر المزمن والعشوائية وما يتعلق بها من ظواهر سلبية، والوجه الآخر يتعلق بالابتكار والإبداع والتجديد والتطوير والاستغلال الأمثل للموارد البشرية.
ما الحلول الممكنة لعلاج مشاكل الوطن؟
لحل كل المشاكل التى تواجه الوطن لا بد أن يترجم الانتماء الحقيقى لهذا الوطن إلى أفعال للصالح العام وليس لمصالح أخرى، علاوة على ضرورة وجود دائرة الاتفاق بين أبناء الوطن أكبر بكثير من دائرة الاختلاف والتركيز على ما يجمع الناس لا ما يفرقهم، العمل هو ما سيصل بمصر إلى بر الأمان، البعد عن إثارة الشائعات وترديدها بما يضر بأمن وسلامة البلاد، عدم التركيز على الأشياء التافهة التى تضر والتركيز على ما ينفع البلاد والعباد، البعد عن أى نوع من أنواع الصراعات التى من شأنها أن تفت فى النسيج الوطنى، الاهتمام بالعلم والبحث العلمى لأنهما بمثابة القاطرة التى تجر مصر إلى مصاف الدول الكبرى، فمصر مليئة بالخيرات والخبرات التى سوف تسهم بإذن الله وبقوة فى بناء مصر فى عهدها الجديد.
نريد من فضيلتكم معرفة الشروط التى تؤهل الفرد لأن يكون مفتيًّا؟
أول هذه الشروط الإسلام لأنه لا تصح فتوى غير المسلمين، والشرط الثانى العقل فلا تصح فتوى المجنون، والثالث البلوغ أى يبلغ من يفتى الحُلم من الرجال والمحيض من النساء أو يبلغ 15 عامًا أيهما أقرب؛ لأنه لا تصح فتوى الصغير والصغيرة، والرابع العلم فالإفتاء بغير علم حرام؛ لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله ويتضمن إضلال الناس وهو من الكبائر، وهناك شرط يضاف إلى ما سبق وهو التخصص نظرًا لطبيعة العصر والذى نعنى به أن يكون من يتعرض للإفتاء قد درس الفقه وأصوله وقواعده دراسة مستفيضة تكسبه دربة فى ممارسة المسائل وإلمامًا بالواقع، وأيضًا هناك شرط العدالة، والعدل هو من ليس بفاسق، أضف إليها شرط الاجتهاد وهو بذل الجهد فى استنباط الحكم الشرعى من الأدلة، وهناك شرط جودة القريحة: ومعنى ذلك أن يكون كثير الإصابة صحيح الاستنباط وهذا يحتاج إلى حُسن التصور، والشرط الأخير هو الفطانة والتيقظ فيشترط فى المفتى أن يكون فطناً متيقظاً ومنتبهاً بعيداً عن الغفلة، هذه جملة من الشروط التى ينبغى أن توجد فى المفتى فمن تتوافر فيه استحق أن يُنصب فى منصب الإفتاء.
كل عام يحدث جدل حول رؤية هلال رمضان.. يقول الله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}، هل المقصود من المشاهدة هى رؤية الهلال بالعين المجردة أم استخدام الأجهزة الحديثة كما هو الآن؟
المقرر شرعًا أن القطعى مقدَّم على الظنى؛ أى أن الحساب القطعى لا يمكن أن يعارض الرؤية الصحيحة، ولذلك صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية سنة 1964م، واتفقت المؤتمرات الفقهية كمؤتمر جدة وغيره على الاستئناس بالحسابات الفلكية القطعية مع الاعتماد على الرؤية البصرية الصحيحة، وهذا يعنى أن الحساب ينفى ولا يثبت، وأنه يُعَدُّ تهمةً للرائى الذى يدعى خلافه؛ قال الإمام التقى السبكى فى "فتاواه": "لأنَّ الحِسابَ قَطعى والشهادةَ والخبرَ ظنيَّان، والظنُّ لا يُعارضُ القطعَ فضلاً عن أن يُقدَّم عليه، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنًا حسًّا وعقلاً وشرعًا، فإذا فُرض دلالة الحسابِ قطعًا على عدم الإمكان استحال القبولُ شرعًا؛ لاستحالةِ المشهودِ به، والشرعُ لا يأتى بالمستحيلات، ولم يأتِ لنا نصٌّ من الشرع أن كلَّ شاهديْنِ تُقبل شهادتهما سواء كان المشهود به صحيحًا أو باطلاً"، ثم قال بعد ذلك: "قد يحصل لبعض الأغمار والجهَّال توقُّفٌ فيمَا قُلناهُ ويستنكرُ الرجوع إلى الحساب جملة وتفصيلاً ويجمُد على أن كل ما شهد به شاهدان يثبت، ومن كان كذلك لا خطاب معه، ونحن إنما نتكلم مع من له أدنى تبصر، والجاهل لا كلام معه"، ونقل العلامة القليوبى فى "حاشيته على شرح المحلى على المنهاج" عن العبّادى قوله: "إذا دلّ الحساب القطعى على عدم رؤية الهلال لم يُقبَل قولُ العدول برؤيته، وتُرَدُّ شهادتُهم"، ثم قال القليوبى: "وهو ظاهرٌ جلى، ولا يجوز الصّوم حينئذٍ، ومخالفةُ ذلك معاندةٌ ومكابَرَةٌ"، فإذا نفى الحساب القطعى طلوع الهلال فلا عبرة بقول من يَدَّعِيه، وإذا لم ينفِ ذلك فالاعتماد حينئذٍ على الرؤية البصرية فى إثبات طلوعه من عدمه، ولذلك فالمشاهدة المذكورة بالآية تشمل العين المجردة وكل الوسائط التى من شأنها المساعدة فى إثبات طلوع الهلال أو عدمه.
مفتى الجمهورية المنتخب فى أول حوار: الانتماء للوطن يجب أن يترجم لأفعال للصالح العام وليس لمصالح أخرى.. ومتشددو الاهتمام بالظاهر "أخلاقهم باهتة".. والشيعة من أهل القبلة والفرقة ليست فى مصلحة المسلمين
الثلاثاء، 09 يوليو 2013 06:49 م