فاروق جويدة يكتب: مصر.. الباقية أبدا

الجمعة، 05 يوليو 2013 12:06 م
فاروق جويدة يكتب: مصر.. الباقية أبدا فاروق جويدة
نقلا عن الأهرام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عرفت الآن لماذا كانت شعوب العالم دائما تحسد المصريين على هذه العلاقة الغريبة التى تربط الإنسان المصرى بوطنه؟ لا يوجد شعب فى العالم أحب بلاده كما أحب المصريون وطنهم، والغريب أن هذا الحب لم يرتبط يوما بالمصالح أو الغايات والمكاسب، كان فقراء مصر أكثر حبا لبلادهم من أغنيائها حتى هؤلاء الذين ظلمتهم الأقدار أحيانا على ترابها تفانوا فى حبها، وقد انتقلت لعنة الحب إلى الغرباء الذين زاروها أو عاشوا عليها.

فى قاموس الفراعنة كلمة تسمى لعنة الفراعنة وفى حياة المصريين قصة من العشق لم تتغير، أن المصرى الذى ارتبط بأرضه ونيله وترابه كان من أقل شعوب العالم سعيا للهجرة أو استبدال وطن بآخر وحتى فى السنوات العجاف رفض المصريون الهجرة، كان مشهد الملايين من شباب مصر وشيوخها ونسائها يوم 30 يونيه يهز أرجاء الكون والجميع يتابع هذه المشاعر التى أذهلت العالم.

طوال الأيام الماضية كانت تزورنى أحيانا حالة من الإحباط والخوف على مستقبل هذا الوطن، لقد عشنا تجربة رائعة مع ثورة عظيمة فى 25 يناير 2011 جمعتنا أهداف واحدة ووحدتنا أحلام امتدت معنا كل سنوات عمرنا وتصورنا أننا سنبدأ عمرا جديدا ولكن للأسف الشديد خذلتنا الأحلام وخاننا رفاق المشوار ووجدنا أنفسنا غرباء فى وطننا أمام وجوه لم نرها من قبل وأفكار لم تنبت فى هذه الأرض. رغم كل أسباب الإحباط كان لدى شىء من اليقين أن هذه الغمة لن تطول كثيرا، وأن الرياح المسمومة التى اجتاحت ضفاف نيلنا سوف يبددها صبح قادم.

كنا دائما نراهن على الإنسان المصرى صاحب التاريخ والحضارة والثقافة العريقة. كنا ندرك أن جوهر هذا الإنسان دائما هو التدين الصحيح. والإيمان الصادق والتسامح النبيل والصدق الجميل. هبت علينا رياح عاصفة قسمت صفوفنا وشردتنا بين أفكار وصراعات ومعارك رغم أننا كنا أحوج إلى أن نتوحد لنبنى بلدا هو بكل المقاييس من أجمل القطع الربانية التى صاغها الخالق على هذه الأرض.

تعثرت خطانا أمام أفكار شاردة لا تتناسب مع مقومات مجتمع اعتاد الرقى وأدمن الجمال وكان دائما نموذجا فى الترفع والفضيلة. كنا نؤمن بالخالق سبحانه وتعالى ولا نخشاه خوفا ولكن نخشاه حبا وكنا نسعى إليه ليس طمعا فى جناته ولكن حبا فى ذاته. اجتاحتنا أفكار غريبة حاولت أن تشكك فى إيماننا وهى تعلم أن الإيمان يسرى فى دماءنا منذ آلاف السنين. كانت ترى فينا الضلال رغم أننا أصحاب أول دعوات التوحيد. حاولت أن تبعث الفتن بيننا ونجحت إلى حين ولكن الإنسان المصرى الخلوق كان يقوم منتفضا رافضا ذلك كله. للأسف الشديد أن السحابات السوداء التى اجتاحت ضفاف نهرنا الخالد بدأت تتسع مداراتها وتزداد ظلمتها حتى وجدنا أنفسنا محاصرين بوجوه غريبة علينا. وجدنا من يشكك فى إيماننا وهو يعلم أن الإيمان ليس تجارة ولكنه يقين يسكن النفس ويسرى فى الدماء وجدنا من يدعو علينا رغم أنه يعلم أننا كنا دائما مسالمين نطلب رحمة الخالق وكان دائما يقف معنا فى كل الشدائد. وجدنا من يطارد الناس فى الشوارع ليزرع الخوف فى نفوسهم رغم أننا اعتدنا الأمن فى حياتنا وكان الفقراء فينا ينامون على شواطئ النيل تحرسهم عناية الله وتحميهم قلوب صافية.

حين اجتاح الخوف قلوب المصريين تغيرت النفوس وتبدلت المشاعر وبدأت حشود الكراهية تقتحم القلوب التى اعتادت البراءة. وشعر المصريون أنهم أمام احتلال خانق يحاول أن يطمس هويتهم التى اعتادوا عليها. إيمان بلا صخب. ثقافة بلا جنوح. وفكر مترفع. وشخصية أهم ما فيها العمق والتسامح والمصداقية.

ذات مساء كان المصريون يجلسون أمام شاشات التليفزيون يتابعون البرامج والأخبار ورغم أنهم كثيرا ما شعروا بالملل من أحداث متكررة ووجوه قبيحة تطاردهم كل مساء وقضايا أهملت متاعبهم واحتياجاتهم واهتمت بالمظاهر وأغلقت أمامهم أبواب الفكر والحوار رغم هذا كله كانوا قد اعتادوا على هذه الظواهر السطحية التى أكدت أن الشخصية المصرية فقدت الكثير من العمق والمصداقية.

من بين ملايين الأسر من أبناء الشعب المتسامح الطيب توقف الملايين عند صيحات غريبة تتهم الناس بالكفر وتطالب بقطع الرؤوس وسفك الدماء واستحلت أجمل الأشياء فى حياة الشعب العظيم الفكر والثقافة والفنون والدين الوسطى الذى يقوم على الرحمة ولا يقوم على العقاب سطت الوجوه الغريبة على المشهد المصرى الرفيع وتلفت المصريون حولهم يطلبون النجدة من هذا الاحتلال الخانق وبدأت دعواتهم للسماء تعلو. يا الله أنت تعلم أننا نحبك لذاتك.

لم تكن مخاوف المصريين البسطاء من دعاة التكفير وسفك الدماء بعيدة عن مسامع جيش مصر العظيم. وصلت الصرخات المكتومة واهتزت لها أرجاء مصر كلها وتساءل قادة الجيش هل هذه مصر التى عرفناها وأحببناها وكيف لنا أن نسمح بترويع هذا الشعب العظيم. كانت البداية بيان الجيش الذى أطلقه كالبركان الصاخب قائد الجيش المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى وشباب مصر ينطلق فى الشوارع والميادين يطالب بإسقاط الاحتلال الذى سيطر على إرادة هذا الشعب واستباح كل شىء فيه، فى يوم 30 يونيه خرجت فى شوارع مصر أكبر مظاهرة عرفها تاريخ البشرية، هكذا قالوا فى مراكز المعلومات فى الغرب لم تكن المظاهرة دعوة لعودة الماضى الفاسد كما ادعى البعض ولو أن هذا الماضى كان قادرا على حشد هذه الملايين ما رحل، قالوا إنها فلول الحزب الوطنى المنحل ولو أن هذا الحزب كان قادرا على جمع هذا العدد المخيف ما انتهى فى أسبوعين، إن هذا الحشد الذى خرج إلى الشوارع هو تراث مصر الحضارى بكل مكوناته، إنهم شباب مصر وميلادها الجديد وثورتها التى لم تهدأ بعد، دين متسامح، إنسان متحضر، فكر واع، ثقافة رفيعة وقبل هذا كله إيمان بهذا الوطن لم تسقط ثوابته يوما أمام احتلال أو وصاية.

اندفع الملايين من أبناء مصر فى ثورة جديدة وتقدم الشباب يرفضون وصاية الفكر وسطوة المسلمات وضمور العقل، كان مشهد الفريق أول السيسى وقادة القوات المسلحة ورموز مصر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر د.أحمد الطيب، وقداسة البابا تاوضروس ود. البرادعى ونخبة من رجال السياسة والفكر والدين، كان هذا الحشد يمثل مصر الحقيقية بكل رموزها، كان بيان السيسى جامعًا شاملا يضع تصورا لمسيرة الوطن فى الفترة القادمة، أكد الرجل أن الجيش لا يسعى للسلطة ولا يريد أن يعود إليها وهو صادق فيما قال وأن الهدف أن نخرج بمصر من هذا النفق المظلم وأن هناك برنامجا واضحا للخروج من هذه الأزمة، رئيس مؤقت هو المستشار عدلى منصور أكبر رأس فى المؤسسة القضائية وهى المحكمة الدستورية العليا، حكومة كفاءات لا وزارة مجاملات.
ولجنة لمراجعة التعديلات الدستورية تمهيدا لإصدار دستور جديد، ومشروع قانون للانتخابات البرلمانية.

وانتخاب رئيس للجمهورية، وميثاق شرف للإعلام المصرى، وخطة لتمكين الشباب أصحاب المستقبل فى مؤسسات الدولة وقبل هذا كله توقفت عند نقطة هى الأهم فى ذلك كله وهى المصالحة الوطنية، كانت هذه القضية هى السهم المسموم الذى فرق أركان الدولة المصرية خلال عام واحد. أن النسيج الإنسانى للمجتمع المصرى هو أهم مكونات هذا الوطن، كانت التعددية أهم مميزات الشخصية المصرية. لقد تعددت فى مصر الثقافات وكانت مصر دائما قادرة على أن تتفاعل مع كل فكر لتحافظ على هويتها الثقافية. لم تستطع ثقافة من الثقافات الوافدة أن تشوه ثوابت العقل المصرى. ما أكثر الغزاة الذين توافدوا على ضفاف النيل ولكن النيل استطاع أن يوحد كل هذه الثقافات ليقدم منها فكرا واعيا متحضرا عميقا يحمل طين هذى الأرض وجذورها.

فى عام واحد شهدت مصر مئات التظاهرات وآلاف الانقسامات حتى وصل بنا الحال إلى ما نراه اليوم من تكفير أبناء الأسرة الواحدة هذا مؤمن وهذا كافر وكلاهما جاء من رحم واحد. وللأسف الشديد وجدنا بيننا من يثير الفتن بين أبناء الدين الواحد. كانت أزمنة الاستبداد تشعل نيران الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين ووجدنا من أبناء ديننا من يشعل الفتن بين أبناء الأب الواحد هذا مسلم وهذا كافر. أكاد أؤكد أن مشهد التيارات الدينية التى تدعى الإسلام فى استاد القاهرة وقاعة المؤتمرات فى مدينة نصر ومظاهرات المنيا وأسيوط ودعوات التكفير التى انطلقت منها كانت الأسباب الرئيسية لما حدث فى مصر طوال الأيام الماضية.

كان الجيش المصرى رافضا تماما لهذا المشهد السيئ الذى روع المصريين وشكك فى إيمانهم.

اسودت مياه النيل أمام الدعاوى الكاذبة والنفوس المريضة وسالت دماء غزيرة على ضفاف نيلنا الذى لم نتعلم منه سوى الحب والعطاء والرحمة أن وحدة مصر الشعب هى الآن أهم قضايانا التى ينبغى أن نجمع بها شمل الوطن مرة أخرى. إنها الداء الذى ينبغى أن نقضى عليه بعد أن أفسد النفوس والضمائر. واليوم عادت مصر تبتسم لكل أبنائها وهم يحيطون بها يقدمون قرابين الحب والإيمان والتسامح.

ألف باقة ورد تحملها مصر إلى أبنائها الأبرار رجال قواتنا المسلحة ورجال الشرطة الذين عادت قلوبهم الصافية تحتضن شوارع مصر مرة أخرى. أما شباب مصر الرائع الذى تجمع بالملايين ليكتب أسطورة جديدة فهم أملها الباقى ومستقبلها المضىء. أقول لهم عودوا إلى صدر الأم لأنها حبكم الدائم وعشقكم المقيم اختلفوا ما شئتم فى السياسة وتفرقوا فى دروب الفكر وعيشوا الإيمان على طريقتكم تسامحا وترفعا ولكن لا تختلفوا أبدا على ولائكم لها سافروا ما شئتم فى بلاد الله واشربوا من بحور المعرفة ما أردتم ولكن تذكروا دائما أنها الوطن والقبر والمصير. آلاف الأفكار تغزو عقولنا. وآلاف الأحلام تزور جوانحنا. ولكن ليس لنا غير وطن واحد هو كنانة الله فى أرضه مصر. الباقية أبدا منارة تضىء. وحضارة نزهو بها. وشعب عاشق للحياة هذه هى مصر التى أذهلت العالم بهذه الملايين التى خرجت فى حشود لم يشهدها من قبل لتجسد معنى الحب والوطنية. وهذا هو تراث مصر الحقيقى.





مشاركة




التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

كمال

مصر كلها مع جيشنا العظيم ضد الارهاب

عدد الردود 0

بواسطة:

نبيل ماضى

كان مرتب سيادتك كام قبل تولى وزير الثقافه المحترم

عدد الردود 0

بواسطة:

Mohamed El Sayed

الوطن يعيش فينا ولسنا نعيش فية

عدد الردود 0

بواسطة:

السيد زكريا

اذا كنت تتقاضي 450 الف جنيه في الشهر بمعدل 15 الف جنيه كل طلعة شمس

عدد الردود 0

بواسطة:

شريف

حتى أنت

عدد الردود 0

بواسطة:

مينا مكرم حبيب

شعب مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

د. سامي الإمام

كلامكم درر لا يفهمه سوى العاقلون

عدد الردود 0

بواسطة:

د. محمود العدل

كلمات

عدد الردود 0

بواسطة:

م/ جلال امين - ابن سيناء - العريش- خبير التقييم الوحيد فى سيناء

الى المستشار عدلى منصور:((لحقن دماء المصريين الاستفتاء على الرئيس المنتخب مرسى)) الى المست

عدد الردود 0

بواسطة:

مجدى مسعد

أصبت و صدقت كعادتك

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة