الهتافات والغضب الذى فاض به الكيل بل وحتى الرموز هى نفسها نزولا إلى رسائل الضوء بالليزر التى تقول "انتهت اللعبة" التى كانت موجهة لنظام الرئيس حسنى مبارك، عام 2011 كل هذا تحولت إلى الرئيس المنتخب الذى جاء إلى السلطة تحمله موجة الربيع العربى المصرية.
لكن الاختلافات بين الانتفاضتين الشعبيتين فى مصر تتمثل فى الجو النفسى فى الشوارع.
وتثير أحدث مناورات المحتجين وتتمثل فى تعريف أكثر سيولة للديمقراطية يتجاوز مجرد تحقيق الانتصار فى صناديق الاقتراع أسئلة بشأن الفترة التى قد يعود بعدها الممسكون بمقاليد الأمور من الجيش المصرى إلى الانتخابات وعودة الدستور.
وتلقى أيضا واحدة من الدول الرائدة فى موجة الربيع العربى فى مأزق غير مريح بشأن الهدف المحورى من انتفاضات المنطقة وهو فتح النطاق السياسى لكل الأصوات والآراء.
وقال إسلام إيهاب وهو طالب جامعى يبلغ من العمر 20 عاما "هذه ثورة جديدة" مستخدما عبارة كررها خصوم الرئيس محمد مرسى على نطاق واسع الذين يرفضون وصف سقوطه بأنه انقلاب وهى الكلمة التى يقول مرسى وأنصاره أنها الوصف الدقيق لما حدث.
وتفتح دلالات الألفاظ والمفاهيم الثقافية فى شوارع مصر المجال للدراسات فى الرؤى المتناقضة لما يعنيه الربيع العربى.
فجماعة الإخوان المسلمين التى طاردتها القيادة الحاكمة فى مصر لعقود تنظر إلى العصيان ضد الرئيس المنتمى للجماعة فى ضوء مفاهيم غير معقدة مفادها أن الجيش تقدم ليطيح بأول رئيس منتخب للبلاد.
ويطرح خصوم مرسى الذين عاودوا الظهور فى ميدان التحرير فى القاهرة يوم الأحد 30 يونيو فى الذكرى السنوية الأولى لمرسى فى السلطة، قضية أكثر دقة، فهم يجادلون أن مرسى خان روح الديمقراطية بمحاباته أنصاره من الإسلاميين وحدهم وتجاهله المشكلات الحساسة مثل الاقتصاد الذى على شفا الانهيار.
وبالنسبة للمحتجين فإن هجومهم على سلطة مرسى يمثل انتصارا للثوريين الحق- وهم المعارضة العلمانية والليبرالية التى التئم شملها كى تزيح مبارك عن السلطة قبل ما يزيد على عامين.
وقال سامى الفراج مدير مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية "فعل المحتجون كل ما فى وسعهم ليبرروا هذا باعتباره تقدما وليس ردة... وصمود هذا النوع من التفسير قد لا يكون سهلا".
وهذا بسبب الوضع العبثى الواضح فى الأيام القليلة الماضية عندما عادت مصر إلى أيدى قادة الجيش، وتشترك جميع الأطراف فى نفس المخاوف... فالسماح للقوات المسلحة بالعودة إلى السيطرة على مقاليد الأمور يفسح الطريق أمام مجموعة من القوى غير الديمقراطية لإعادة تأكيد نفوذها مثل الشرطة وفلول نظام مبارك.
ويقر مطلقو نفير الجولة الجديدة من الربيع العربى فى مصر بأن الجيش هو الدرب الوحيد لوضع البلاد على طريق الصواب لكن ليس لديهم أى فكرة عن المحطة النهائية التى يقود إليها هذا الدرب.
وقالت جماعة ستراتيجيك فوركاستنج للتحليلات السياسية ومقرها تكساس" السخرية فى الربيع العربى المصرى هو أنه بينما يحمل لاعبين جددا فإنه لم يغير النظام أو البنيان الأساسى للسياسة المصرية.... الجيش ما زال القوة المهيمنة ورغم أنه مستعد لتشكيل مصر بمهارة فإن ما يهم هو أنه سيواصل تشكيل مصر".
وقال فالى ناصر الخبير فى شئون الشرق الأوسط وعميد مدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة إنه بينما الزعماء العسكريين "للانقلاب العسكرى الناعم" يعدون بالعودة إلى الديمقراطية فقد كان هذه هى أيضا التعهدات التى بلا أجل مسمى التى قطعها جنرالات باكستان الذين أمسكوا بالسلطة فى الآونة الأخيرة لمدة ثلاث سنوات بعد انقلاب عسكرى عام 1999.
ونشرت صحف باكستان الكبيرة مثل جريدة دون (الفجر) وذا إكسبريس تريبيون الناطقتين بالإنجليزية عناوين تقول "انقلاب عسكرى فى مصر".
وقال المحلل الباكستانى مشرف زيدى: "كل مرة يتم فيها اعتراض طريق الديمقراطية يتم تعميق انعدام الكفاءة... كل مرة (تعود فيها حكومة مدنية) تبدأ من الصفر أو ما تحت الصفر".
ويسأل البعض إذا ما كان الجيش المصرى سيتبنى دورا مشابها لدور القوات المسلحة التركية فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى التى كررت تدخلها فى الشؤون السياسية بخلع زعماء وطالبت بما سماه آخرون "تصحيحات".
ومازالت مثل هذه المخاوف بعيدة عن الكثير من المحتجين. وتتمثل الصفقة الحالية فى ظل وجود الجيش فعليا فى السلطة هو أن كثيرين مستعدون لقبول إزالة السياسات التى يزعمون أنها همشت بل وهددت الذين اعتبروا خصوما للإخوان مثل الليبراليين أو الأقباط المسيحيين الذين تعرضوا لهجمات قتل فيها بعضهم.
وقالت نازلى حسين البالغة من العمر 29 عاما والتى ترصد التقارير عن العنف ضد المحتجين "بالنسبة لى أصبح مفهوم الديمقراطية تافه ويفقد معناه.... هذه ثورة والناس مازالوا يكافحون فى الشوارع لإزالة نظام قاتل وفاسد... إذا كان هناك رئيس ملطخة يده بالدماء فعليه أن يرحل".
ويدرك محمود سالم وهو مدون بارز التناقضات بشكل كامل لدى المحتجين الذين يزعمون أنهم مؤيدون للديمقراطية والذين أسقطوا رئيسا منتخبا ديمقراطيا. لكنه يعتقد أن مرسى انتهك الثقة التى اكتسبها بفوزه بفارق ضئيل العام الماضى بفضل دعم تأييد الليبراليين وآخرين رفضوا تأييد خصمه أحمد شفيق آخر رئيس وزراء يعينه مبارك.
وسأل "هل الديمقراطية هى قبول ما يأتى به صناديق الاقتراع... أو ما يضمن استمرار العملية الديمقراطية؟"
وهذه الأسئلة ليست جديدة وليست مقتصرة على سياق الربيع العربى.
ففى أوروبا انتقد خصوم الجماعات اليمينية المتطرفة مثل حزب الحرية المناهض للهجرة فى النمسا نجاحهم فى الانتخابات باعتباره "غير ديمقراطي" رغم سلامة إحصاء الأصوات. وعلى مدار أسابيع فى تركيا أدان محتجون رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان باعتباره حاكما مستبدا رغم أن حزبه فاز بانتخابات متعاقبة فى العقد الماضى.
وفى إيران التى تحسنت علاقاتها مع مصر بشدة فى ظل إدارة مرسى، وصف التلفزيون الرسمى الإطاحة بمرسى بأنه انقلاب. وفى لافتة على محاولة التحوط السياسى أذاع التليفزيون فى وقت لاحق، دون تعليقات شديدة، مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الانتقالى الجديد عدلى منصور.
لكن الأوضاع فى مصر وضعت واشنطن وحلفاءها فى موقف دقيق للغاية، ففى بيان انتقيت مفرداته بعناية يوم الأربعاء، قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما انه "قلق للغاية" من تحرك الجيش للإطاحة بإدارة مرسى وتعطيل الدستور المصرى. وقال إنه أصدر أمرا للحكومة الأمريكية لتقييم مدى تأثير أفعال القوات المسلحة المصرية على المساعدات الأمريكية الأجنبية لمصر.
لكن أوباما تمسك بشدة بالوقوف فى منتصف الطريق رافضا وصف الإطاحة بمرسى بأنه انقلاب... ويمكن استشعار هذا أيضا فى شوارع القاهرة.
وقال هيثم فاروق البالغ من العمر 39 عاما والذى يعمل فى شركة نفط أن الإخوان المسلمين "خنقوا أنفسهم" عندما نسوا الآخرين.
وأضاف متهكما من تأكيدات أنصار مرسى بأنهم سيساعدون فى إعادة القيم الإسلامية إلى مصر "لم يقدموا شيئا لمصر او للإسلام".
وأضاف "اعتدنا الصلاة قبل أن يظهروا وكنا نصلى عندما وصلوا إلى السلطة وسنصلى بعد رحيلهم".
وتأمل سالى توما الناشطة البارزة التى شنت حملة ضد الحكم العسكرى والإخوان أن "يصلح الجيش الآن أخطاءه" بأن يسعى بسرعة جدا لإجراء انتخابات بعد سقوط مرسى.
وأمام قصر القبة أحد القصور الرئاسية فى القاهرة حيث يحتشد جمع من المناهضين لمرسى، قالت نوال إبراهيم الموظفة الحكومية المتقاعدة البالغة من العمر 62 عاما أنها ترى أن نتيجة الانتخابات لا تستطيع حماية رئيس لا ينظر إليه باعتباره رئيسا لجميع المصريين.
وقالت "هذا كان أسوأ من العدوان الأجنبى.. عندما يطعنك ابنك فإن هذا أسوأ من طعن العدو".. وأضافت "أشعر أننى عارية أريد رئيسا يغطينى".
صورة ارشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مبروك محمد مصطفي اسماعيل
المطرية دقهلية