نقلا عن اليومى..
يأتى مسلسل الداعية للنجم هانى سلامة ليؤكد دائما على خبرة الدكتور مدحت العدل فى تشريح المجتمع وتقديم عمل إنسانى يمس المشاعر ويحرك الكثير من النقاشات العقلية والطرح المتعلق بقضايا سياسية واجتماعية وإنسانية، وهذا ما يميز صياغات مدحت العدل الإنسانية الشديدة وتركيزه على التناقض فى نفوس البشر، مهما كانت الاتهامات التى توجه له بالمباشرة، وتبسيطه لقضايا سياسية شديدة التعقيد، إلا أن مدحت العدل يعرف كيف يصنع عملا إنسانيا ويغزله برقة تلامس القلب، وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره، حيث تجلى ذلك بوضوح شديد فى مسلسل «الداعية» الذى يعد أحد الأعمال اللافتة للانتباه، فى دراما رمضان 2013.
واستطاع المسلسل أن يجذب شريحة كبيرة من المشاهدين، ليس فقط لأهمية القضية التى يناقشها والتى تتعلق بالكثير مما نعيشه حاليا من تداعيات والحديث حول الدين واستغلاله فى ظل سيطرة تجار الدين الذين حكموا البلد لمدة عام، أو لأنه يعيد صياغة علاقة المصريين ببعضهم البعض، أو لأنه يرصد حجم التحولات التى أصابت المجتمع فى مقتل، ولكن لأنه بإنسانية شديدة رصد كم التحولات التى شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير، حيث يعد المسلسل وثيقة درامية حية عن كل ما وقع بمصر فى تلك الفترة وخلال عام من حكم الإخوان، وهو العمل الذى كتبه العدل فى ظل حكم الإخوان وأخذ على عاتقه هو ومنتج العمل ومخرجه الشاب محمد جمال العدل أو «ماندو» أن ينجزا هذا العمل وأصرا على عرضه رغم الضغوط التى تعرض لها فريق العمل أثناء التصوير، وإذا كان كاتب العمل ومنتجه مدربين على الصدام والخلافات السياسية وغيرها فإننى حقيقة كنت أشفق على المخرج الشاب وهو يتحمل عبء إنجاز العمل فى ظل هذه الظروف الصعبة، وهو العمل الدرامى التليفزيونى الأول الذى يقوم بإخراجه، ويناقش قضايا شائكة وتمس من كانوا يجلسون فى سدة الحكم، يرهبون من يشاؤون ويكفرون من يشاؤون، وبلاغات تقدم فى العمل من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى بدعوى أن العمل يسىء للإسلام، ومنهم من وصل به الحال إلى المطالبة بضرورة إيقاف تصوير العمل، ولكن محمد أصر أن يكون على قدر المسؤولية، ويتحمل العبء كاملا ويعمل بجد واجتهاد ليخرج عمله الأول فى أحسن صورة، بغض النظر عن أن معه الكثير من المخضرمين فى الإنتاج والكتابة والتمثيل والموسيقى وغيرها من عناصر العمل الفنية إلا أنه استطاع أن يصنع تناغما واضحا بين فريق عمله ويدير ممثليه بشكل جيد إلى حد كبير ويأخذ أحسن ما فيهم لتجسيد الشخصيات التى صاغها المؤلف وحولها إلى عمل ينبض بالحياة ويحتفى بالحرية والسعى لأجلها، ويحتفى بالفن وقيمته، والتأكيد على ضرورته فى النهوض بالمجتمعات، فالفن ليس رفاهية كما يظن البعض.
وبحرفية شديدة تمكن المخرج الشاب من تحويل الشخصيات المرسومة على الورق إلى شخصيات درامية، تثير الجدل حينا والتعاطف فى حين آخر، فلا توجد شخصية أحادية، ذات جانب واحد بل يتداخل الخير مع الشر، والبساطة مع التعقيد، والأسود مع الأبيض، راقب مثلا شخصية يوسف وكيف تم تقديمها فى البداية على أنها شخصية متخشبة، متجهمة كل شىء يسير عنده بالساعة وبدقة، كل العالم المحيط به مسخر لخدمته وطموحه، هو يعرف جيدا أنه داعية ومشهور وأن برنامجه يحقق أعلى عائد إعلانى، لذلك يعرف كيف يعقد الصفقات ويكسب الأمور لصالحه «مشاهد حملة جمع التبرعات لأحد المستشفيات الخيرية، مشاهد تفاوضه على رفع قيمة العقد»، وكيف يعامل أشقاءه كل شىء فى المنزل يخضع لنظام حديدى يضعه «يوسف» أو هانى سلامة وتنفذه خديجة الشقيقة الكبرى الخاضعة والخانعة لشقيقها وزوجها التى تتعامل دائما من منطقة أنها امرأة وتشعر بالدونية أمام الرجل، فهى مرتبة ثانية تؤمر فتطاع.
وتفصيلة تفصيلة يتكشف التناقض الكامن فى يوسف الذى يجعلك لا تعرف إذا ما كان عليك أن تحبه فهو رجل داعية ربى أشقاءه، بعد تخاذل الأب، فهل تتعاطف معه أم تأخذ موقفا منه لآرائه المتشددة وتحويله الدين إلى تجارة قابلة للتفاوض، وجحوده الشديد لوالده –يجسده الفنان أحمد راتب بعبقرية شديدة – ويبدو لى أن هذا هو الفخ الذى وقع فيه الفنان هانى سلامة فى البداية، حيث جاء أداؤه متخشبا ويميل إلى الانفعال الصوتى أكثر فى الحلقات الأولى وتركيزه على كل ما هو خارجى فى الشخصية ولكن مع تطور الأحداث، تمكن سلامة من أن يسيطر على الشخصية، ويمسك مفاتيحها مجتهدا فى نقل التنويع فى المشاعر والانفعالات المتناقضة بداخلها، وهو ما ظهر بوضوح بعد تطور علاقاته مع نسمة -تجسدها بسمة - الفنانة والناشطة السياسية، ومن أجمل المشاهد التى أجاد سلامة التعبير عنها، مشهد المستشفى وبعد مقتل زميلها الصحفى أحمد عنتر فى أحداث الاتحادية على يد الإخوان واستنجادها بيوسف وكيف ألقت بنفسها على كتفه بعد أن أبلغها الدكتور خبر استشهاده، وكيف أن يوسف صمت لفترة وكأنه لا يعرف كيف يتعامل فى هذه اللحظة إلا أنه استسلم لإنسانيته وبدأ يربت على كتفها، نفس الحال بالنسبة لشخصية «حسن»، يجسدها أحمد فهمى بوعى كبير، خصوصا أنها أيضا مليئة بالتناقض فهو الصديق الأقرب ليوسف، وأيضا يحمل قدرا كبيرا من الغيرة بداخله لنجاحات يوسف المتتالية، ويشعر أنه أحق منه بالنجاح خصوصا أنه أكثر اعتدالا ويتحدث دائما عن سماحة الإسلام بعيدا عن التطرف والمتطرفين، والتحولات التى تحدث له وكيف تحوله النجومية هو الآخر لأحد المتاجرين ببضاعة الدين.
الداعية يحمل قدرا كبيرا من كشف زيف هؤلاء المتأسلمين الذين لا يسعون سوى لمصلحتهم، إضافة إلى الكثير من الخيوط الدرامية التى تتعلق بيوسف وأشقائه ووالده وجيرانه وزملائه فى المحطة، والخط الدرامى الخاص بالحارة وأبنائها «عليش ومنعم ورامى» ومن خلالها نعرف أن التطرف يرتبط كليا بالفقر والجهل وغياب الوعى.
رغم كل هذه الخيوط الدرامية والتى يعد بعضها نمطيا فإن المسلسل ومن خلال مؤلفه يحمل طزاجة وروحا مختلفة، أبدع كل من شارك فيها من نجوم كبار ومخضرمين وشباب واعدين ولكن يأتى على رأسهم النجم أحمد راتب الذى يجسد دور والد يوسف وهى الشخصية شديدة الإنسانية والرقى والتحضر رغم بساطتها، والتى لا تعرف سوى أن تحب ولكن بطريقتها والتى تحمل تناقضا أيضا فهو رغم حبه لأبنائه، إلا أنه لم يعرف كيف يحافظ عليهم وهى الشخصية التى أداها راتب بعمق وبساطة لذلك تحولت لأيقونة من أجمل الأيقونات فى رمضان، وأعتقد أن المخرج الشاب محمد جمال العدل كان محظوظا بوجود نص إنسانى يرصد الكثير من الحقائق ويسجل لما شهدته مصر فى عام مضى ويحتفى بالفن والفنانين وينتصر لوسطية واعتدال الشخصية المصرية.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد احمد
مسلسل رائع
كم انت جميله يا بسمه ماهذا الاداء الرائع شكرا لكم