وسط الزحام الدرامى الذى تشهده الفضائيات المختلفة وبين تطورات الوضع السياسى فى البلاد ضل مسلسل «ربيع الغضب» طريقه إلى عين المشاهد، رغم أن مؤلفه مجدى صابر يصوغ من خلاله وصفا واقعيا حقيقيا يعبر عن المجتمع المصرى بكل فئاته وطوائفه دون ابتذال فى الحوار أو محاولة لفت الانتباه بألفاظ تخجل من سماعها آذان الأسر المصرية، حيث يلقى صابر من خلاله الضوء على التفاوت الطبقى والاجتماعى الذى شهدته البلاد خلال السنوات الثلاثة التى سبقت ثورة يناير مباشرة، وهى الفترة التى وصل فيها الفساد فى مصر إلى ذروته، فلم يجد شباب المحروسة أمامهم أى خيار سوى التصدى لهذا، من خلال القيام بحالة رفض شعبى تطورت إلى ثورة، كانت بمثابة أول الطريق للوصول إلى الديمقراطية بعد النجاح فى القضاء على نظام فاشى تحكم فى مصير البلاد على مدى ثلاثين عاما.
مؤلف العمل مجدى صابر بخبرته الطويلة فى عالم الدراما التليفزيونية، نجح فى رسم خطوط درامية متشابكة تعبر عن مختلف فئات الشعب المصرى خلال السنوات الأخيرة التى بدأت بها أحداث المسلسل، وهى الفترة التى بدأت من يوم 6 إبريل عام 2008، وهو اليوم الذى أعلن فيه عمال مصانع المحلة الكبرى عن إضراب عام، ونشأت من بعدها حركة 6 إبريل، حيث قدم صابر مختلف النماذج الحية المصرية، ليقدم نموذج «فتحية» الأم التى لديها 3 أبناء، منهم ابنتان لا حيلة لهما ولا قوة، بالإضافة إلى نجلها الوحيد مصطفى الذى يعانى من ضعف البصر، ولكنه لا يملك ثمن علاجه، لنرى من خلال هذه الأسرة الفقر الطاحن الذى وصل إلى كثيرون، لا يشعر بهم النظام فلا يستطيعون تدبير مأكلهم ولا الحصول على ثمن علاجهم.
وفى المقابل نرى المحامى والناشط الحقوقى «كمال جرجس»، والذى جسده ببراعة فائقة عزت العلايلى، وهو الشخص القبطى الثائر دائما ليس من أجل البحث عن مزيد من المال أو الجاه، ولكن من أجل الوصول بالبلاد إلى الديمقراطية التى يسعى إليها الكثيرون، خاصة أن ظلم النظام طال ابنه الذى تفوق فى دراسته الجامعية ولكنه حرم من تعيينه كمعيد فى الجامعة، لنرى ظلما آخر ومعاناة أخرى لطبقة مختلفة عانت أيضا من النظام السابق ليطرح المؤلف رؤيته الواقعية فى أن الطبقات بأنواعها عانت من نظام مبارك، ولم يغفل الكاتب جحيم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، حيث لم تترك محترما مطالبا بالحرية إلا أهانته، بل تركت الحياة برفاهيتها لبلطجة الحارات الشعبية وتجار المخدرات الذين نجحوا فى فرض سيطرتهم على البسطاء والذين يبحثون عن الستر، وكأن الداخلية كانت تريد إسكات الناس وحثهم على الرضا بالأمر الواقع من خلال هؤلاء البلطجية الذين يروعون الآمنين ويسرقون المحتاجين، وذلك من خلال شخصية «عنتر» التى جسدها حسين الإمام باقتدار.
ولم يسه كاتب السيناريو مجدى صابر عن إظهار مدى الاستهتار والغطرسة التى انتابت رموز النظام السابق من خلال شخصية الوزير الفاسد الذى لا يشغله سوى مصالحه الشخصية وجمع الأموال والسعى وراء نزواته الجنسية، تاركا مصالح البلاد خلف ظهره، وهى الشخصية التى جسدها عزت أبوعوف بواقعية ودون مبالغة، ليحسب للكاتب رصده الواقعى لأحوال مصر فى 3 سنوات بمختف انتماءاته وفئاته.
ويحسب للمخرج محمد فاضل صاحب الباع الطويل فى عالم الدراما التليفزيونية، قدرته على توظيف السيناريو والحوار بشكل جيد وإدارته للممثلين بطريقة جعلت كلا منهم يُخرج أفضل ما لديه، فضلا على وقوفه على التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة والتى أظهرت أحداث العمل بشكل واقعى.
وعلى الرغم من أهمية الفترة التى ترصدها أحداث المسلسل، والإنتاج الضخم له من قبل صوت القاهرة بقيادة سعد عباس، فإنه تعرض لظلم تسويقى فادح، وفى هذا الشأن يقول بطل العمل عزت العلايلى لـ«اليوم السابع» أقبلت على تقديم هذا العمل بعد أن أدركت أهميته جيدا، خاصة أن السيناريو من أفضل الأعمال التى عرضت على خلال الفترة الأخيرة، نظرا لما تقدمه أحداث الحلقات من حالة رصد واقعى كامل لحالة المجتمع المصرى قبل قيام ثورة يناير بـ3 أعوام من حالة ظلم للطبقات المتوسطة والفقيرة، وهى الفترة التى اندثرت فيها الطبقة الوسطى وطغى الفقر ووصل الفساد إلى ذروته.
وأضاف العلايلى أن «ربيع الغضب»، من الأعمال التى تؤرخ لفترة ثورة يناير، وكان واجبا على التليفزيون المصرى ووكالة صوت القاهرة للإعلان أن يسعيا لتسويقه بشكل أكثر جدية، فالعمل يعرض على الفضائية المصرية فقط ودون إعادة، فى الوقت الذى تنتشر فيه الفضائيات الخاصة وتتسابق على خطف أعين المشاهد، مشيرا إلى أن القناة التى يعرض عليها العمل جمهورها قليل للغاية وقد لا يكون يهتم بالدراما التليفزيونية من الأساس، لافتا إلى أن العمل تم تدميره تسويقيا.
وأشار الفنان القدير إلى أن شخصية الناشط الحقوقى القبطى «كمال جرجس»، الذى يواجه الفساد بكل أنواعه، ولا يشغله سوى فقراء الشارع المصرى وقضاياهم بصرف النظر عن ديانتهم وأفكارهم، هو نموذج حى للوحدة الوطنية، موضحا أنه كان يهدف من ورائه لنبذ روح التفرقة العنصرية والدينية بل الدعوة بأن المسلم والمسيحى والكنيسة والمسجد شىء واحد لا يشغلهم فى النهاية سوى أمن وسلامة ومستقبل مصر.