بعد ظهور عدد من حالات الاغتيالات فى كل من تونس وليبيا شهد البلدان حركات ثورية كبيرة ضد التيارات والجماعات الإسلامية بشكل عام ومن هم فى السلطة بشكل خاص. ففى ليبيا تم مؤخرا اغتيال الناشط السياسى الليبى عبدالسلام المسمارى فى بنغازى من خلال مسلحين مجهولين فى مدينة بنغازى الليبية عقب خروجه من مسجد بوغولة فى منطقة البركة، وقد تعرض من قبل فى مايو الماضى لاعتداء من قبل مجهولين على خلفية تصريحات انتقد فيها المجموعات المسلحة التى تحاصر الوزارات الليبية، والتى وصفها بالجماعات المنقلبة على الشرعية فى البلاد. وكان يشتهر المسمارى بمعارضته لسيطرة جماعة "الإخوان المسلمين" على السلطة فى البلاد بعد الثورة الليبة، حيث سبق له أن انتقد محاولات سيطرة هذه الجماعة على المجلس الوطنى الانتقالى السابق.
كما شهدت تونس حادثتى اغتيال لاثنين من أهم قادتها كان آخرها النائب المعارض بالمجلس التأسيسى التونسى والمنسق العام لحزب "التيار الشعبى"، محمد البراهمى، وقد اغتيل بالرصاص من قبل مجهولين. وقد سبق تلك الحادثة بستة أشهر اغتيال الزعيم السياسى العلمانى شكرى بلعيد مما أدى إلى اندلاع احتجاجات فى شتى أرجاء البلاد.
ومن ثم بدأ صعود التوتر بين العلمانيين والإسلاميين فى سدة الحكم فى كلا البلدين وبدأت الاحتجاجات فى مختلف الميادين وإن اختلفت الأنظمة السياسية فى البلدين على غرار ما حدث بمصر فى 30 يونيو بخروج مختلف أطياف الشعب احتجاجا على قيادة الإخوان فى مصر وافتقارهم للحنكة السياسية فى تولى السلطة فى مصر.
ولعل ما حدث فى مصر من تغير نظام الحكم وإسقاط نظام الإخوان المسلمين يمكن أن يكون دفعة لكل من تونس وليبيا واتجاه نحو ربيع عربى جديد بقيادة مصر، فنجاح التجربة فى مصر قد يلقى بظلاله على بلدان ثورات الربيع العربى فى كل من تونس وليبيا ونجاح تلك الدول المجاورة.
ومن ثم يوضح د.عمرو الشوبكى - مدير تحرير مجلة أحوال مصرية - أن مصر مؤهلة لتقود بلدان الربيع العربى إلى تجربة اندلاع ثورات تصحيحية جديدة وذلك فى حالة نجاح مصر فى بناء نظام سياسى ديمقراطى جديد وليس مجرد إسقاط نظام، فالاحتجاجات ليس معناها نجاح كامل للثورة لأن الأهم ما بعد إسقاط النظام إلى إنها خطوة جيدة فى الطريق الصحيح.
لكن مازالت مصر فى المرحلة الأولى من تجربة الربيع العربى، حيث النجاح الحقيقى عندما تستعيد مصر الاستقرار الديمقراطى والحالة الأمنية وتحل خلافتها بشكل سلمى بالتالى تكون نموذج يحتذى به خاصا فى التعامل مع الجماعات المتطرفة. لذا مصر فى بداية الطريق وفى حاجة لنظام سياسى ديمقراطى لاستكمال مرحلة النجاح.
قال د.الشوبكى إن إسقاط نظام الإخوان المسلمين والفشل المروع فى مصر يعتبر ذلك خصما لرصيد الإخوان وشعبيتهم وبالطبع ممكن ينعكس ذلك على بلدان الربيع العربى ويظهر إخفاق الإخوان واضحا فى إصرارهم على التمسك بهذا الفشل من خلال ممارسة العنف وعدم الاعتراف بالأمر الواقع من خلال عدم نجاحهم فى إدارة البلاد.
ويرجح د.سعيد لاوندى - خبير العلاقات السياسية الدولية- أن المسئول عن ما يحدث فى ليبيا الآن هم الغرب فهو المحرك الأساسى فى ليبيا خصوصا بعد تدخل قوات الناتو هناك وتحقيق ما يسمى "بالفوضى الخلاقة" وهو يعنى إنهاء نظام قديم وبناء نظام جديد، وبسبب شعور الغضب الشديد من الإخوان فى ليبيا أصبح هناك صحوة فى العالم العربى و"أمل بأنهم لن يحكموا العالم وخصوصا بعد عزل الإخوان فى مصر".
ويعتقد د.سعيد لاوندى أن ليبيا مقبلة على مرحلة من الاغتيالات بسبب عدم وجود قانون وحالة من السيولة فى الداخل والخارج، وبالتالى فهى مرشحة لتكون مشهدا لعمليات دموية لعدة شهور أو ربما لعدة سنوات بسبب هشاشة الوضع فى ليبيا والبقية تأتى.
على النقيض فى تونس، فمن المؤكد أنها أصبحت على شفا حفرة وعلى صفيح ساخن بعد الاتهامات بين القوى السياسية المختلفة بعد مقتل البراهمى، فالبعض يرى أنه تنظيم القاعدة والآخر يرى أنهم اليساريون. وبالتالى نتج عنه حالة من الريبة والشك على مستوى الشعب والقوى السياسية خصوصا بعد أحداث 30 يونيو فى مصر.
وأكد د.سعيد لاوندى أن ثورات الربيع العربى أبرزت أن حكم الإخوان المسلمين فشل فشلا ذريعا وأصبحت كراهية الإخوان مستمرة فى الداخل. وأن الشعوب العربية كلها ضد الإخوان وإنه لا يصلح إلا فى الوعظ والإرشاد ولا يصلح فى إطار الدولة والحكم، فلا يوجد مكان للإخوان فى الدول العربية. وقد تحدث ثورات تصحيحية فى تونس وليبيا على غرار مصر لكن أهم شىء هو الإخلاص والوفاء لثورة 2011.
بينما يرى د.أيمن السيد عبد الوهاب، رئيس وحدة المجتمع المدنى فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الوضع فى ليبيا مأساوى حقيقى بالمعنى السياسى ويظهر ذلك من خلال ضعف الدولة ووجود الميلشيات والأسلحة المنتشرة فى ليبيا متمثلة فى مقومات وإطار بيئى سياسى لم يصل لمرحلة النضج والاستقرار واضح بين مختلف المؤسسات. لكن فى تونس الوضع مختلف عن ليبيا متمثلا فى طبيعة النخبة والصراع السياسى بين القوى المختلفة. لكن على الرغم من وجود مشاهد كثيرة للعنف قامت بها الجماعات السلفية الجهادية ومحاولة النخبة التقليل من العنف، إلا أن الاستقرار ليس سمة رئيسية فى تونس، فهى أصبحت مرآة لما يحدث فى مصر من احتجاجات وأصبح المستقبل التونسى على المحك وتشهد العديد من القضايا الساخنة بعد أحداث 30 يونيو فى مصر بسبب الارتباط الشديد بين جماعة الإخوان المسلمين فى مصر والجهادية السلفية فى تونس.
ويؤكد د. عبد الوهاب أن التحولات الكبيرة التى شهدتها مصر ألقت بظلال كبير على ما يسمى بالتيار الإسلامى السياسى لأن مصر دائما لها ثقل كبير جدا فى المنطقة، على المحيط العربى والإسلامى، وظهر ذلك بوضوح فى ردود الأفعال الدولية والعربية حتى لو اختلفت تلك الردود ما بين الرفض والترحيب الشديد أوالتحفظ لكن من المؤكد إنه عندما تتحرك مصر يحدث رد فعل من الكل.
وبالتالى سوف يؤثر ذلك على بلدان الربيع العربى فليبيا لم تستقر لفترة طويلة نتيجة الميلشيات والصراع السياسى بين توازنات القوى فلا يوجد فصيل سياسى واحد يستطيع أن يفرض كلمته على فصيل آخر. لكن فى تونس يتزايد الصراع السياسى هناك كل يوم بين التيار الإسلامى وقيادة الإخوان والتيار المدنى للحفاظ على طبيعة الدولة التونسية وبالتالى سيستمر ذلك الصراع لبعض الوقت.
ونتيجة لتلك الأحداث المتوالية فى منطقة ثورات الربيع العربى يظهر حاليا انكسار لجماعة الإخوان بعد الثورة المصرية، وبدأ ينعكس ذلك بوضوح فى صورة الممارسات التى يأتون بها، و"أغلب الظن ستشهد نوعا من الانكماش السياسى خلال المرحلة القادمة".
مصر تقود دول الربيع العربى نحو ثورات جديدة.. خبراء: تونس أصبحت مرآة لما يحدث بالقاهرة بعد 30 يونيو.. هناك شعور بالغضب الشديد تجاه "الإخوان" فى ليبيا
الإثنين، 29 يوليو 2013 12:42 م