لا تحدث الثورات إلا عندما يكون هناك حاجة لذلك لدى الشعوب، فلا يمكن استنساخ ثورة ولا يمكن افتعال ثورة ولا يمكن التخطيط لثورة من الخارج. ولذلك تم اعتبار يوليو 52 ثورة رغم أن بدايتها كانت تعتبر تحركا عسكريا وانقلابا على النظام الملكى، لكن لا أحد ينكر أنه كان هناك فساد سياسى وديمقراطية هشة قبل يوليو 52، ولا أحد ينكر أنه كان هناك فقر وجوع وفساد وظلم.
قبل يوليو 52 كانت هناك انتخابات برلمانية تأتى بحكومات منتخبة، ولكن كان الملك يستطيع إقالتها والانقلاب عليها، وكان هناك تدخل من قوى الاستعمار لتغيير حكومات وللتحكم فى القرار المصرى.. ولذلك خرج الشعب لتأييد التحرك العسكرى، ولولا التأييد الشعبى لما نجح ولما كان له شرعية، ولولا وجود أسباب حقيقية تحتم قيام ثورة وتحتم التحرك لما تم الاعتراف به. وكما لم تكن الصورة حالكة السواد قبل 1952 وكان هناك بعض النقط البيضاء، لم تكن الصورة ناصعة البياض بعد 1954، فرغم قيم العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والاستقلال، ولكن بحجة محاربة العهد البائد تم سن قوانين استثنائية وقانون طوارئ ومحاكمات عسكرية وأحكام بالإعدام والسجن ومنها إعدام قيادات عمالية مثل الخميس والبقرى، وفى 54 تم التنكيل بالسنهورى باشا الذى ساهم بنفسه منذ 52 فى سن التشريعات الاستثنائية والإعلانات الدستورية والمحاكمات الثورية، وتم إلغاء الأحزاب ثم مذبحة القضاة.
ولم تقم ثورة 25 يناير إلا بأسباب موضوعية، فقد كانت نتيجة طبيعية لـ30 عاما من الفساد والاستبداد والقمع واحتكار السلطة والثروة وغياب العدالة وغياب المعاملة الكريمة بجانب التبعية الأمريكية والانصياع الكامل للرغبات الأمريكية من أجل الحفاظ على السلطة ومن أجل توريث السلطة من مبارك لنجله، فعانينا جميعا من الفساد والفشل الإدارى، وعاصرنا جميعا الاحتكار وانعدام العدالة الاجتماعية بجانب تزاوج الثروة مع السلطة وتزوير الانتخابات، وعايشنا جميعا الاعتقالات والتعذيب للمواطنين وتلفيق التهم وقتل المتهمين وغياب العدالة وغياب دولة القانون وقمع المظاهرات وسحل المتظاهرين وإغلاق الأحزاب وحصارها ولذلك كان لابد من ثورة.
ثورة شعبية غير مستنسخة وغير مفتعلة خرج فيها الشعب ينادى بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكان من الممكن أن نسير فى المسار الصحيح منذ البداية ويتم تطبيق خارطة الطريق الحالية لولا تحالف المجلس العسكرى مع جماعة الإخوان فى 2011 والإصرار على مسار استفتاء مارس الذى أوصلنا لما نحن فيه.. لو تم تطبيق خارطة طريق 30 يونيو 2013 فى 11 فبراير 2011 لكانت مصر أفضل حالا وأكثر استقرارا ولتجنبنا الكثير من الكوارث التى حدثت منذ استفتاء مارس 2011.
وبسبب أخطاء حكم العسكر فى 2011 وبسبب استبداد وغباء وعناد الإخوان فى 2012 و2013 كان لابد من موجة التصحيح فى 30 يونيو 2013، ولكن بدلا من البكاء على اللبن المسكوب والتلاسن حول من المخطئ فلنفكر أفضل فى بناء مصر الجديدة وتجنب الأخطاء منذ 2011، بل ونتجنب الأخطاء منذ 1954، ولا نتوسع فى أية إجراءات استثنائية أو قمعية أو غير قانونية، أو أى إجراءات أو أفكار تتعارض مع قيم وأهداف الثورة التى تتحدث عن حرية وكرامة وعدالة اجتماعية وتسامح وتعايش واحترام للآخر واحترام للاختلاف، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
وأخيرا، نعم جميعنا ضد الإرهاب ونؤيد أن تقوم الشرطة والقوات المسلحة بدورها الطبيعى فى القضاء على الإرهاب وحماية المواطنين، ولكن أيضًا يجب أن تكون هناك دولة قانون.