لا أنتظر من جيش مصر العظيم بعد أن التف حوله الشعب مرة أخرى، مردداً شعاره الأحب «الجيش والشعب إيد واحداة»، أن يخذل شعبنا.. لا أنتظر منه سوى أن يتقدم ليكون حامياً حقيقياً للديمقراطية الصحيحة، وحارسًا أمينًا لدولة القانون والعدالة والشفافية والحرية.. لا أنتظر منه أبدًا أن يكرر أخطاء المجلس العسكرى الغابر، وأن يعتمد على أهل الثقة، متجنبا أهل الخبرة والكفاءة والمسؤولية. نعلم أن الجيش لا يحكم، وأن بالحكم مؤسسات مؤقتة تدير شؤون البلاد، لكن لا أحد يغفل ما للجيش من دور فعال فى المرحلة الانتقالية الممتدة من فبراير 2011 حتى يومنا هذا.
كان المعلن من تظاهرات أمس هو تفويض الشعب للجيش بمحاربة الإرهاب والعنف، وإن شئت قل إن شعب مصر أمر جيشه بالحرب على الإرهاب فى كل مكان، لكن ما لا يخفى على أحد هو أن أمس كان برهانًا ساطعًا على ثقة شعب مصر فى جيشه، واعترافًا مباشرًا بأنه لا يثق فى أى من مؤسسات الدولة بقدر ثقته فى الجيش.. صحيح أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى أصبح من أكثر الشخصيات المصرية شهرة فى الأيام القليلة الماضية، وصحيح أيضاً أنه أصبح حلاً للعديد من المشاكل التى عانى منها الشعب، وصحيح أنه صار «منقذًا» و«مخلصًا» عند الكثيرين، لكن هذا لا يعنى أن حشود أمس وقّعت للفريق السيسى على بياض، أو أنها وضعت ثقتها فى «شخص»، بينما الصحيح هو أن الشعب، والسيسى وكل رجاله بمهمة محددة، وأنه وضع ثقته فى مؤسسة يحبها لها تاريخ كبير مجيد.
أعرف أن تحديات المرحلة أكبر مما قد يستوعبه الخيال، وأعرف أن مصر ربما تكون مقبلة على أوقات عصيبة تكثر فيها الحيرة، ويعمّ فيها الارتباك، لكننى أعرف أيضاً أن أى إجراء لا يتفق مع روح ثورة يناير سيكون من قبيل العبث لا غير، فيناير هى الشرعية الأولى التى يجب أن تستند إليها أى خطط مستقبلية.. ويناير هى أول التحام حقيقى للمصريين بالشارع.. ويناير هى أول صرخة شقت جدران الصمت، وزلزلت حصون الفساد المستتر.. ويناير هى أول تعانق حقيقى للشعب والجيش بعد فترة غياب دامت لأعوام وأعوام.
أنتظر ما بعد تفويض جيش مصر بمحاربة الإرهاب أن يكون جيشنا عند حسن ظننا، وأن يقدر تكاتف الشعب معه حق تقديره، وأن يسعى جاهدا من أجل توطيد هذا التآلف الأبدى، وأن يثبت للجميع أن تدخل الجيش فى الحياة السياسية لم يكن من أجل مطامع شخصية أو أغراض ضيقة، لكنه كان من أجل هذه البلد الذى كان مختطفًا وأعدناه، وكان مسلوبًا وأرجعناه. ننتظر ما بعد تفويض جيش مصر بمحاربة أعداء مصر، أن يؤسس لدولة مصر الحديثة، وأن يقود قطار نهضة مصر الحقيقية، وأن يصبح درعًا وسيفًا يذودان عن الوطن ضد أعدائه الخارجيين والداخليين، وأن يستلهم مبادئ نهضتى محمد على، وناصر ليكون راعيًا للاستقلال الوطنى، وحاميًا للدولة المصرية الحديثة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة