الساعة الحادية عشرة ظهرا داخل الطائرة أنظر من شباكها بعد أن دخلت أجواء القاهرة الحبيبة وبدأت تقترب أكثر وأكثر ومعها تزداد نبضات القلب مذيع الطائرة يطلب من الجميع ربط الحزام وعدم مغادرة المقاعد فالطائرة ستهبط بعد دقائق وفى لحظة مفاجئة يعلن قائدها أنه بناء على تعليمات المطار ستضطر الطائرة إلى الارتفاع مرة أخرى والاتجاه إلى مطار برج العرب لتبقى به بعض الوقت حتى يسمح لها بالعودة مرة أخرى.
ظللنا ساعة كاملة داخل الطائرة كل يعبر عن رأيه والبعض يخرج عن هدوئه ليصب جام غضبه على ارهاب انصار الإخوان الذين هددوا بالتوجه إلى المطار أجريت اتصالات مع أحد الأقارب العاملين داخل مطار القاهرة فطمئننى بأن كل الأمور طبيعية وأن القوات المسلحة كانت تجرى بعض التدريبات العسكرية, تزودت الطائرة بالوقود وتحركت مرة أخرى بعد أن سمح لها بالتوجه إلى مطار القاهرة.
ساعتين كاملتين بعد الوقت المحدد للوصول كانتا كفيلتين بإمعان التفكير فى الأحداث وما هى إلا دقائق وتقترب الطائرة من القاهرة الحبيبة مرة أخرى وكأنى مع موعد للشوق مرتين وهذه المرة اقتربت الطائرة أكثر من المطار فنظرت من شباكها نظرات متتالية تبحث عن تواجد أى حشود وماهى إلا لحظة ووقعت عيناى على ميدان رابعة العدوية هنا قررت أن أزور المكان على الأرض والطبيعة بعد أن رأيته من السماء.
بعد الرابعة عصر الاثنين ومع دعوات من أنصار الحكم السابق بأن 22 يوليو هو نهاية الانقلاب العسكرى اتجهت من شارع النصر مرورا بالنصب التذكارى للجندى المجهول وقبر الرئيس الراحل أنور السادات أفكر فى شرف العسكرية المصرية ودورها على مدى التاريخ وأفكر فى الرئيس الذى اغتيل هنا يوم عرسه ويوم فخره وصلت بسيارة تاكسى إلى بداية الدخول إلى دولة رابعة العدوية.
فى المدخل هنا حيث لوحات كبرى تحمل شعارات الشرعية والتأييد للحاكم المعزول يقف افراد كثيرون يمينا ويسارا من بائعى الأعلام وجوههم لا يبدو عليها أنهم من أنصار المعتصمين وعلى يسار المدخل أعداد أخرى لسيارات الميكروباص , كنا خمسة فى السيارة السائق وصديق فى المقعد الأمامى وأختى وزوجتى محجبتين والعبد لله ملتحى لم ننزل من السيارة وقررنا أن ندخل بها بعد أن رأينا سيارتين أمامنا أحدهما تحمل مياه والأخرى تحمل مواد غذائية مختلفة.
على المدخل شباب بلبس مميز برتقالى للتفتيش يطلعون على بطاقات كل من أراد الدخول ثم يتم تفتيش الرجال ذاتيا لكن بهدوء تام دون إثارة , وقف أحدهم أمام شباك السائق طالبا منه هويته ومن بالسيارة تحدثت معه بلطف وطلبت منه السماح بالدخول فوافق على أن يقوم بتفتيش شنطة السيارة الخلفية وبالفعل قام بذلك وسمح لنا بالدخول ومن بعده كانت على اليسار أكياس عديدة من الرمل وكأن هناك استعداد لمعركة ما ثم وجوه عدة لبائعين لكل شيء وعلى اليسار بائع للبنطلون الجينز مع الخصم بقيمة خمسون جنيها فقط لا غير ,
بعد البوابة الأولى بحوالى 15 متر وجدنا بوابة أخرى مغلقة عليها أفراد أمن رفضوا فى البداية دخول السيارة ثم بعد نصف دقيقة تحدثت لمن يرفض دخولنا مظهرا له وجهى كأخ ملتحى فسمح لنا بالدخول وأزال الحاجز وسمحوا لنا شرط ان تقوم السيارة بالعودة مرة اخرى بسرعة من نفس الطريق.
فى البداية على اليمين تقف ثلاث سيارات اسعاف لدولة مصر , نعم بعد الدخول هنا كانت اللحظة الأولى لشعورك الكامل أنك فى دولة أخرى وأنك لست فى القاهرة , رغم أن الوجوه كلها لمصريين من أبناء الوطن لكن كانت هناك خيام على اليمين واليسار بدءا من مبنى الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ,
الخيام عادية منها خيام بالية لتجمعات بسيطة من عدة محافظات مختلفة تحمل التأييد لحكم الإخوان فتجدها مثلا ما بين هالى شلشمون يؤيدون الدكتور مرسى الرئيس الشرعى وعلى اليسار أهالى إخوان كفر صقر بالشرقية ثم لوحة اخرى بجوارها لنقابة العاملين بالمهن الزراعية وهكذا خيام مختلفة يقيم بها وجوه مصرية منها الجالس والنائم ومن يقرأ القرآن رجال وبعض النساء الغالبية العظمى منهم من خارج القاهرة يعيشون هنا حياة كاملة وهناك افراد داخل خيام اخرى لتجهيز أنواع مختلفة من الطعام فخيمة على اليمين بعد مبنى الدفاع الشعبى مليئة بآلاف من أكواب الزبادى البلدى موضوعه على الأرض وبعدها اشخاص آخرين يقومون بالطهى فى أوانى كبيرة الحجم لكن دون أدنى احتياطات للأمن والسلامة أو النظافة.
طريق المرور لم يكن مزدحما نهائيا لكن العشرات يقفون بين معدى بعض العصائر وشخص يحمل جهاز رش على ظهره يقوم برش مادة ما وشخص آخر يقذف بالمياه على رؤوس المارة وحتى على السيارة لترطيب الجو وبعض العربات الصغيرة محملة بأنواع من المشروبات الشعبية ثم دخلنا أكثر فبدأ يظهر صوت صفوت حجازى متحدثا عبر الميكروفون وعلى اليسار خيمة أكبر يقف عليها طابور من المعتصمين يدخلون بالدور.
الوجوه تكاد أن تكون جميعها ريفية الشكل والمظهر والملبس لسان حالهم يقول أنهم من قاع ريف مصر المختلف من الوجهين القبلى أكثر والبحرى ثم كانت أولى الملاحظات الهامة على اليمين مقر رمزى بأعلام عليها شعار مجلس الشورى ومجموعة تجلس على مقاعد لا يتعدى عددها عشرون شخصا توقفت السيارة أمامهم لعلى اعرف أحدا من الوجوه المعروفة لما لا فأنا الآن بجوار مجلس شورى دولة رابعة العدوية وخاف من معى بالسيارة من اطالة الوقت هنا فنتعرض للمساءلة القانونية للتواجد بالقرب من منطقة سيادية فتحركنا وعلى بعد أقل من مائة متر رأينا المنصة الشهيرة وعليها الشعار وباللغة الانجليزية (أنتى كوب) ضد الانقلاب العسكرى فى رسالة موجهة بالتأكيد للإعلام الغربى الخارجى وليس الاعلام العربى داخل دولة جمهورية مصر العربية الشقيقة.
كانت إطلالة الخطيب المفوه صفوت حجازى مرتديا بنطلون جينز وقميص يميل للون البنفسجى ربما من باب البهجة والتفاؤل وهو يعلن بصوته الجهورى نحن لسنا فى عداء مع الجيش المصرى لكن مع البلطجية احنا سلميين صحيح ما معناش أسلحة لكن لو مسكنا واحد فيهم هنموته باسناننا واحنا عارفين كويس بنعمل ايه احنا النهاردة مجهزين لهم مفاجآت مرعبة هتدهشهم ومش هيعرفوا بتجيلهم منين وانتوا عارفين خلاص السيسى بيفرفر , كان الرجل يتحدث بلغة الواثق ومن يقف أمامه لا يتعدى عددهم على أكثر تقدير الفى شخص ولا أدرى من أين تأتى الأعداد التى تظهر على قناة الجزيرة مباشر.
على البعد من المنصة التى يقف عليها الأسد الهصور بحوالى مائة متر تقريبا ترى مآذن مسجد رابعة العدوية المقر الرسمى لكبار رجال الدولة لم يكن متاحا أن نستمر بالسيارة فى اتجاه المسجد ورفض الآخرون معى النزول من السيارة فاتجهنا يمينا إلى شارع الطيران امتداد دولة المعتصمين وهنا رأينا أمامنا القسم العائلى فالخيام مشتركة وصغيرة ولا يوجد بينها أى فواصل وأعداد النساء أكثر بكثير مما رأينا فى البداية لا أدرى ماذا يفعلون هنا ولما تركوا منازلهم فى مصر وجاءوا مستمتعين بالحياة فى الدولة الوليدة , الوجوه هنا تنظر لك باهتمام أكثر لكنها جميعا وجوه ريفية مصرية مختلفة الأعمار اغلبها كبار سن ونساء بل منهم من يحمل أطفاله معه.
الخيام منتشرة فى كل مكان حتى فى محطة بنزين على يمين الشارع ولا أدرى هل الإقامة هكذا آمنة لهم , فى منتصف الشارع اختفى صوت صفوت حجازى وتجمع بعض الرجال والنساء حول رجل آخر يخطب فيهم ويرددون خلفه بعض الشعارات منها ما يسب فى الجيش والفريق أول السيسى ومنها ما يسب فى أمريكا ومنها ما يؤيد الرئيس المعزول .
فجأة ظهر لنا فى نفس الاتجاه طفل لا يتعدى عمره العشر سنوات يقود سيارة صغيرة تيريسكل وكاد يصطدم بنا ثم توقف فطلب سائق سيارة التاكسى من أحد الأشخاص أن يمنعه من القيادة فقد يتسبب فى كارثة وبالفعل تم ذلك ثم واصلنا السير وسط الخيام يمينا ويسار جانبى الطريق وفى المنتصف باعة جائلون وسوق عكاظ به كل شيء وهناك من يستلقى على ظهره غير منتبه لحاله وملبسه ولا يستر نفسه وهناك سيدة تحاول أن تجمع حولها أكبر كمية من أطعمه سريعة فى أكياس مختلفة , المشاهد هنا ذكرتنى تمام بمشهد الحجيج غير الشرعيين من يقيمون فى منى وخارجها فى خيام رثة باليه وسط الطريق فى أماكن غير نظيفة بلا خدمات نهائيا وحالتهم يرثى لها إلا أنهم يستمتعون بها.
هنا سيارة أخرى تقف أمامنا لتملأ لمن يريد مياها للشرب وأخلت لنا الطريق بالكاد لنمر منها مسرعين لنقترب أكثر من خط النهاية حيث بوابة أخرى نفس البوابة الكبرى من الطوب على الجانبين خرجنا من البوابة عبر الحدود لنتنفس الصعداء جميعا فقد دخلنا جمهورية مصر العربية والحمد لله تعالى.
كان أول سؤال وجهته لأختى التى اختارت الرئيس المعزول وكانت تعتقد سابقا أن الإخوان أحباب الله وسألتها ما رأيك فيما رأيت الآن قالت انا مذهولة مش مصدقة نفسى هما دول اللى عاوزين يحكموا مصر هما دول اللى هيحرروا الأقصى دا اغلبهم شكلهم ناس ما بتعرفش تقرا ولا تكتب حتى وبعدين دول قاعدين كده إزاى الستات وسط الرجالة ومعاهم عيالهم , الدين ما أمرناش بكده خالص.سألت زوجتى ما رأيك فيما رأيت الآن أجابت بكلمة واحدة كل يوم أزداد احتراما لرأيك الناس دى صحيح عايشه منين دا كأنهم مستمتعين جدا بحياتهم دى وخلاص اتأقلموا على كده وعايشين حياتهم.
السائق كان ممن اختار الرئيس المعزول أيضا فطلب منى أن نعود غدا لكن على دراجة بخارية عشان ننزل ونتكلم مع الناس دى بجد ونفسى أعرف مين اللى ضاحك عليهم ومقعدهم هنا.
صمت للحظات وتحركنا بالسيارة لنعود مرة أخرى من الاتجاه الآخر إلى طريق النصر لتقابلنا على الاتجاه المعاكس مسيرة خالدة متجهة لدولة رابعة بها أقل من ألف شخص وتمنع المرور فى الطريق معظمها نساء من مختلف الأعمار يتصببن عرقا أتحدى لو كان هناك وجه واحد فيهم من القاهرة الكبرى بل هم مساكين بسطاء بالجلباب البلدى يقودهم من يهتف ليسب الجيش وقادته بأفظع الألفاظ التى لا تمت لخلق او دين او تربية ولا أدرى بمن تقتدى.
وعلى الجانبين بالطبع من بعد مدخل جامعة الأزهر كلمات مطبوعة تسب جيش دولة مصر وقائدها وتصفه بأقذر الألفاظ التى يعف اللسان عن ذكرها فقلت لأختى ايه رايك فى المؤمن التقى الورع الطاهر النقى اللى يصلى ويصوم ويحب الله ورسوله وينادى بالشرعية والشريعة اللى يكتب الحاجات دى أجابت شريعة إيه وشرعية إيه دا اكيد معندوش دين دا انا كنت مخدوعة فيهم بشكل بصراحة دى أحسن حاجة عملتها انك جبتنا هنا مش نسيب نفسنا للكذب اللى بنشوفه فى الجزيرة مباشر.
وصلنا للمنزل وفتحنا التلفاز على القناة فوجدنا رابعة العدوية الآن وصور لحشود رهيبة لم نرها نهائيا منذ ربع ساعة فقط فسارعت أختى لتطلب منى احذف القناة دى بالمرة من جهاز الاستقبال القناة دى كدابة ضلالية عاوزانا نولع فى بعض , الجميل أن القناة ذاتها بعد الإفطار بدأت فى اذاعة لقاء مع بعض الأخوات الطاهرات التقيات المؤمنات داخل الخيام وهن يتناولن فطورهن بعد صيام يوم عن الطعام دون صيام للقلب واللسان ويقيمون هنا باسم الدين والشرع والإيمان ,
تبا لمن أتى بهؤلاء جميعا وتبا لمن يصرف على معيشتهم وتبا لمن يغيب عقولهم ليحتمى بهم وتبا لمن يحركهم فى مسيرات إلى الحرس الجمهورى ووزارة الدفاع وغيرها وتبا لمن يدفع بعض البلطجية وبعض المغيبين لمهاجمة السفارات الأجنبية للتنديد بدولة جمهورية مصر العربية والمطالبة بأسقاطها لتحيا دولة رابعة العدوية وقادتها ومرشدها وحاكمها المظفر الناصر محيى الدين محمد مرسى من لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه الذى تملأ صوره الدولة ويرفعها من يسبحون بحمده ويعيشون انتظارا للحظة ظهور المهدى المنتظر على ربوع رابعة العدوية التى تشكو لله تعالى بارئها وخالقها من أن يكون اسمها على رأس هكذا دولة جاءت هنا من العالم الآخر.
د. هانى أبو الفتوح يكتب: جولة داخل دولة رابعة العدوية!
السبت، 27 يوليو 2013 01:20 ص
لاعتصام رابعة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مهندس عماد السيد
سلمت يمينك
والنهاردة نهاية الخونة
عدد الردود 0
بواسطة:
سحر عرابي
كاتب رائع يا دكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
يطاردنى الاسى
عدد الردود 0
بواسطة:
ومن يتقي الله يجعل له مخرجا
ابو الفتوح
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد عبد الجواداحمد
2013/7/27
عدد الردود 0
بواسطة:
سامح لطف الله
شاهد عيان
عدد الردود 0
بواسطة:
mimish
الدجل والكذب وتشويه الحقيقة