فى صمت و بدون ضجيج ولا صخب ولا شو إعلامى، وفى الوقت الذى تعانى فيه مصر من أزمة دبلوماسية حادة مع أثيوبيا على خلفية بناء الأخيرة لسد النهضة، قام الجراح المصرى العالمى الدكتور مجدى يعقوب ومعه فريقه الطبى بخوض حرب من نوع آخر، وذلك بإجراء حوالى 25 عملية قلب لمواطنين إثيوبيين فى اديس أبابا، فى إطار مؤسسة "سلاسل أمل" الخيرية التى أنشأها يعقوب فى انجلترا وتعنى بإجراء عمليات جراحية مجانية لأبناء الدول الفقيرة.
الدكتور مجدى يعقوب لا يقوم بهذا من أجل منصب أو مال أو جاه، فكل العالم يعرف من هو السير مجدى يعقوب.
ولكنه حمل على عاتقه مسئولية، وكان له رسالة وهدف سامى وهو مداواة قلوب البشر بصرف النظر عن هويتهم أو جنسهم أو لونهم أو دينهم.
يقوم بهذا بينما يستمر قرناؤه من السياسيين فى التراشق والتشويه والإساءة ومحاولة الحصول على أكبر قدر من الغنائم، يقوم بهذا بعيداَ عن السياسة والغامها، وبعيدا عن الإعلام وأبواقه ومنابره.
السير مجدى يعقوب هو أحد قوى مصر الناعمة، وما يفعله من الممكن أن يندرج تحت اسم "دبلوماسية الجراحة"، وهى أحد أدوات الدبلوماسية التى تتواصل من خلالها الدول والشعوب بطرق غير رسمية أو غير سياسية، ولعل من أشهر الأمثلة فى التاريخ الحديث على ذلك هى ما قامت به بكين فى سبعينيات القرن الماضى، عندما كان هناك توتراَ فى العلاقة بينها وبين واشنطن، باللجوء إلى دبلوماسية البينج بونج لتحسين العلاقات بين البلدين، وقامت الصين بتوجيه دعوة إلى فريق تنس الطاولة الأمريكى للقاء نظيره الصينى، وكانت هذه أول خطوة فى طريق عودة العلاقات بين البلدين واعتراف واشنطن بالنظام الشيوعى فى الصين الشعبية.
ما نجح فيه السير فشلت فيه النظم السياسية المصرية المتعاقبة التى أهملت أفريقيا وأدارت ظهرها لها وخاصة دول حوض النيل، مما أثر على العلاقات مع تلك الدول، وبالأخص أثيوبيا التى استخدم الرئيسين السابقين حسنى مبارك ومحمد مرسى لغة العنف والدم فى خطابهم الموجه لها، ولوحوا بالتدخل العسكرى إذا قامت ببناء سد النهضة.
هذه بادرة طيبة من إنسان نبيل ورسالة محبة وسلام لأشقائنا الأفارقة الذين نُكن لهم كل حب واحترام وتقدير، وهى أيضا مبادرة سياسية غير مباشرة من السير مجدى يعقوب ورفاقه لحل الأزمة بين مصر وأثيوبيا، أو على الأقل يمكن اعتبارها نقطة نور فى نهاية النفق المظلم.
فحتى إذا لم تحل أزمة السد وظلت كما هى، فيكفى للدكتور مجدى يعقوب أنه فتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين، وأشعر الأثيوبيين بكم اهتمام مصر بهم، وأن المصريين لن ولم يكونوا فى يوم من الأيام دعاة حرب، بل هم ضحايا نظم سياسية فاشلة أوقعت هذا الوطن العريق فى مصائب وأزمات متتالية مع العديد من الدول ولاسيما الدول الأفريقية التى تعتبر العمق الإستراتيجى لمصر.
لقد أصلح السير ما عجز عنه السياسيون، وداوى ما أفسده الإعلام، وأرسل رسالة موجزة إلى العالم بأجمعه فى أهمية وعظمة أن نكون معا ونناضل سوياً من أجل خير الإنسانية.
