حذرت داليا مجاهد، الأمريكية من أصل مصرى والتى اختارها الرئيس باراك أوباما عضوة فى المجلس الاستشارى للأديان، من الانقسام العميق فى مصر، وقالت إن الاستقطاب الذى طبع المجتمع خلال العام الماضى وبلغ ذروته قبل مظاهرات 30 يونيو قد يتحول إلى المعيار السائد فى مصر.
وقالت مجاهد فى مقال لها بدورية صدى الصادرة عن مركز كارنيجى، إن الانقسام الجلى وغير المسبوق فى مختلف أنحاء مصر، قد حل مكان الوحدة الوطنية التى عرفتها البلاد لفترة وجيزة عقب سقوط الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فالشعارات التى تغطى تقريبا كل شبر من القاهرة تعبر عن المزاج العام السائد حالياً، لقد اختفت الصور الملونة التى عبرت فى عام 2011 عن الآمال بالحرية من خلال مشاهد الوحدة الجامعة فى تظاهرات ميدان التحرير، لتحل مكانها صور أكثر سوداوية.
فقد أظهر رسم كاريكاتورى ضخم تحت أحد الجسور رأس مرسى بحجم عمود كهربائى مع ملامح مشابهة لهتلر، وإلى جانبه خيرت الشاطر، كبير المخططين الاستراتيجيين لدى الإخوان المسلمين، وقد صور رأسه بحجم مشابه وبدا أقرب إلى الشيطان، وفى الجهة الأخرى محمد بديع، المرشد الأعلى للإخوان المسلمين. وتربط أسلاك يقصد منها أنها تُستخدَم للسيطرة على العقل، بين المسئولَين فى الإخوان المسلمين وبين الرئيس، وتحيط بهم صلبان معقوفة. وترى مجاهد أنه فى ظل هذه الأجواء تتعمق الأزمة المصرية، الأمر الذى يؤدى إلى إلقاء مزيد من الضغوط على النسيج الاجتماعى فى البلاد.
وتتابع مجاهد، التى تتولى منصب المديرة التنفيذية لمركز جالوب للدراسات الإسلامية، "لقد انصرف كل من الطرفين المؤيد للإخوان والمعارض له إلى تشويه سمعة الآخر. فالقنوات التلفزيونى المتعاطفة مع "الإخوان المسلمين" راحت تبث برامج متدنية النوعية ومؤججة للمشاعر، تُظهِر فيها المعارضة بأنها منحطة أخلاقياً ومعادية للإسلام. وتبادَل الجانبان الأوصاف التى تصور الآخر بأنه تهديد وجودى، ولكن فى الوقت نفسه، وفى موقف متناقض، يصوره بأنه جماعة صغيرة هامشية فى مقابل الأكثرية الواضحة التى يدعى كل طرف امتلاكها. فقد زعم كل منهما أنه هو "الشعب".
وبلغ الاستقطاب الاجتماعى ذروته قبل يونيو. فلم تختلف آراء الناس حول الحقيقة نفسها وحسب، بل اختلفت أيضاً الحقائق بالنسبة إليهم. فعلى سبيل المثال، بدا معلم مدرسة واسع الإطلاع- وهو من الأشخاص الذين صوتوا لمرسى ولم يكونوا مسيسين من قبل – قلقاً وهو يشدد على أن الهدف من تظاهرات 30 يونيو لم يكن الإطاحة بمرسى بل "القضاء على الإسلام فى مصر"، وفى المقابل، لفتت مسئولة كبيرة فى حزب معارض بارز إلى أن رحيل "الإخوان المسلمين" كان ضرورياً لأنهم كانوا يعملون على إعادة قولبة المنظومة الاجتماعية المصرية على شاكلتهم. ودللت على ذلك بالقول بأن الإسلاميين فى السلطة فرضوا على النساء ارتداء حجاب الرأس، وأغلقوا دور السينما والمسارح (مع العلم بأن فيلم "الرجل الحديدى 3" Iron Man 3 عُرِض فى القاهرة فى صالات مليئة بالنساء غير المحجّبات).
ورأت مجاهد أن هذا النوع من الانتقاد التضليلى عبثيا جداً، ولاسيما أنه كان هناك الكثير من الأخطاء الفعلية التى يمكن انتقاد الإخوان المسلمين عليها. فقد أعطت إدارة مرسى خصومها السياسيين مبررات كثيرة لانتقادها، بدءاً من عجزها عن إدارة الاقتصاد وصولاً إلى سوء تعاملها مع التحديات الحساسة فى العلاقات الخارجية.
وضرت الكاتبة مثالا على سوء إدارة حكومة مرسى قائلة إنه بينما كانت السيارات فى أواخر يونيو تقف فى صفوف طويلة أمام محطات البنزين، حتى فى منتصف الليل وعند الفجر، الأمر الذى أدى إلى تعطيل حركة السير وتسبب بالتأخير لساعات عدة. إلا أن وزير البترول نفى فى مؤتمر صحفى أن تكون هناك أزمة بنزين فى البلاد، وطلب من الناس عدم تصديق الشائعات التى لا أساس لها عن الوقوف فى صفوف طويلة أمام محطات البنزين. هذا بينما سجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً، إذ راحت تتضاعف عملياً كل بضعة أشهر، فيما تحول انقطاع التيار الكهربائى إلى واقع يومى، ولو كان يحدث لفترة وجيزة، إلا أنه غير قابل للتوقع، ويتسبب بتعطيل الأعمال والحياة اليومية. كانت القاهرة مشلولة فى الأسابيع التى سبقت الثورة فى 30 يونيو.
وتمضى مجاهد قائلة إن قادة المعارضة يدينون بشدة هذه الإخفاقات، وهم محقون فى ذلك. لكن الأسلوب الذى تجمع به النخب المثقفة بين البارانويا وبين الانتقاد المبرر للسياسات هو الذى يولّد العوالم المتوازية التى تكون الواقع اليومى للمصريين حالياً.
وتقول الكاتبة إن هناك انقساما عميقا سائدا فى صفوف المصريين، ولكن ليس حول خط التصدع التبسيطى بين المتدينين والعلمانيين، كما يعتقد كثيرون. فالمشاركون فى تظاهرات 30 يونيو ينتمون إلى مختلف مشارب الحياة، من علمانيين ومتدينين، وليبراليين ويساريين، وثوريين ورجعيين. وقد أبدى ناشط يسارى بارز ممن صوتوا لمرسى فى الانتخابات، انزعاجه من الفلول الذين شاركوا فى التظاهرات، وقال إنه يأسف لاضطراره إلى السير إلى جانب أشخاص لا يشاركونه رؤيته لمصر، لكنه أردف قائلاً: "أصبح الإخوان المسلمين متغطرسين جداً. علينا أن نوجه إليهم رسالة كى يصحوا من سباتهم ويحدثوا تغييراً".
داليا مجاهد: مرسى فشل فى حل مشاكل الداخل وقضايا الخارج الحساسة
الجمعة، 26 يوليو 2013 01:57 م