يخطئ من يظن أن الإخوان يواجهون أزمة سياسية، وإنما هم يواجهون أزمة وجود، يكونون أو لا يكونون، راهنوا بوجودهم كله على استمرارهم فى الحكم، ومارسوا فى سبيل ذلك المشروع وغير المشروع من الأفعال والأقوال والتصرفات، حتى أصبحوا عنواناً على الكذب والنفاق والغدر وعدم الوفاء بالوعود والعهود ونقضها، وتحالفوا فى سبيل ذلك مع الشيطان، مع الصهاينة والأمريكان وعملائهما من العرب والمسلمين، وارتكبوا فى سبيل وصولهم إلى الحكم كل الموبقات من تخابر وقتل متظاهرين ونشطاء، بل وقتل أتباع من أجل الدعاية السوداء ضد الدولة ومؤسساتها، واستجلاب أسلحة من مختلف العيارات، بل ومقاتلين أجانب لقتل بنى جلدتهم ودينهم، والعفو العشوائى عن الإرهابيين القتلة والمجرمين وتجار المخدرات، ومحاولة بناء جيش مواز فى سيناء يواجه الدولة وجيشها إذا ما حاول الشعب إنزالهم من على الكرسى سواء بالصندوق أو بغيره، فلم يعد خافياً على أحد تبنيهم لديمقراطية الكلينكس، التى تستخدم لمرة واحدة ثم تلقى فى أقرب حمام ويشد عليها السيفون، أى أن الديمقراطية بالنسبة لهم سلم متحرك يصعد عليه ثم يدفعه بقدمه.. ولما كانت استراتيجيتهم قائمة على فكرة الوجود دون غيرهم بعيداً عن لعبة السياسة فقد اعتمدوا سياسة نفى الآخر، فوجودهم يعنى عدم الآخر، ووجود الآخر يعنى عدمهم.. ولذا كانت القضية بالنسبة لهم هم وبعدهم الطوفان.. وليتهم اكتفوا بأنفسهم، وإنما جروا معهم غيرهم، وأخذوا الإسلام معهم بعد أن صوروا لأنفسهم وأتباعهم والمتعاطفين معهم بأن الإسلام يرتبط بهم وجوداً وعدماً. أى أن الإسلام يوجد بهم، وينعدم من بعدهم فى مغالطة تاريخية غير مسبوقة، لأن الإسلام استمر فى وجوده بعد وفاة النبى والصحابة والتابعين وتابعى التابعين، وعرفه المسلمون قبل وجود الإخوان، وها هم يمارسون شعائره بعد ذهابهم وزوال دولتهم، وهو قائم فى النفوس وفى الواقع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إذن علاقتهم بالدين ـ وتصويره للناس وفق تصورهم باعتبار أن كل تصور آخر هو ضد الدين ـ هى علاقة استغلال نفعية فى المقام الأول والأخير، هكذا سولت لهم أنفسهم استغلال الدين من أجل تحقيق مآربهم ومطامحهم الشخصية، ولتنفيث عقدهم وأمراضهم النفسية.. والهلاوس السمعية والبصرية، التى تنتابهم فى أزمات دائمة تجعلهم منعزلين عن الوجود من حولهم، ولذا فإنهم ينكرون هذا الوجود ولا يجيدون قراءة مفرداته، ولا يتعاطون مع تفاعلاته وأزماته، الأمر الذى يخلق لهم أزمة وجود بالفعل.. وهم من وضع نفسه فى تلك الأزمة وليس أحدا آخر. وهذا هو ما أوصلهم بالفعل إلى مرحلة الأزمة مع الشعب ومع مؤسسات الدولة، وقد وصلوا بالأزمة إلى الحافة، وكان من المنتظر منهم أن يتراجعوا كعادتهم حفاظاً على وجودهم كتنظيم فى المجتمع، وإن كان تنظيماً غير شرعى، إلا أنهم فى هذه المرة وضعوا الشعب والمؤسسات فى خيار صعب بين وجودهما ووجود الجماعة، فكان القرار للشعب ومؤسساته، فوجدت الجماعة نفسها فى مواجهة وجودية بينها وبين المجتمع.. ولذا فإننى أرى أن دعوات المصالحة المجتمعية لن تكون ذات جدوى إلا إذا وضعوا السلاح جانباً، على أن تتم محاسبة من أجرم منهم جزاءً وفاقاً على ما اقترفت يده، ومن يرد من الأبرياء منهم الانخراط فى العمل السياسى فليكن من خلال الأحزاب المدنية القائمة، ومن يرد ممارسة العمل الدعوى فليكن من خلال جمعيات مشهرة من خلال القانون، ولا يسمح فى ذلك بالعمل السرى خارج إطار القانون، أو حمل السلاح فى مواجهة المجتمع.
إذن الأزمة كانت فى الأصل أزمة سياسية مرت بها تجربة الحكم الإخوانى فى مصر على مدار سنة كاملة تولوا فيها زمام الأمور، ولم تكن أزمة وجود.. والأصل أن الأزمات السياسية تعالج بالسياسة.
حـــســـــــن زايـــــــــــد يكتب: الإخـــــــوان وأزمــــــة الـوجـــــــود
الخميس، 25 يوليو 2013 10:04 م