عانت شبه جزيرة سيناء منذ يناير ٢٠١١ من فراغ أمنى واضح ذى أسباب سياسية وتداعيات إقليمية، بل لن أكون متزيداً إذا قلت إنه تم دعم تلك الحالة وتأكيدها لتصبح أداة من أدوات الضغط لدى بعض القوى السياسية، ويؤكد ذلك العديد من التصريحات برزت بعد عزل مرسى، كذلك موجة الهجوم المسلح على العديد من الأكمنة الأمنية بشمال سيناء، ليصل على سبيل المثال الهجوم على كمين الريسة إلى ٤٣ مرة منذ يناير ٢٠١١.
تبلور الواقع السيناوى الجديد غير القابل للاستمرار فى حادثتين، الأولى أغسطس ٢٠١١، حينما عبرت مجموعة من الإرهابيين إلى إسرائيل مغيرة على موقع عسكرى إسرائيلى منطلقة من الأراضى المصرية، وما ترتب على ذلك من ملاحقة لهم والتسبب فى قتل عدد من الجنود المصريين على يد أفراد من الجيش الإسرائيلى.
أما الحادثة الثانية فتلت ذلك بعام تقريبا حينما هاجم الإرهابيون، الجنود المصريين، وهم على مائدة الإفطار الرمضانى وقتلوا ١٦ جنديا، واستولوا على مدرعتين هاجموا بها الجانب الإسرائيلى.
فى نفس تلك المساحة من السطور كتبت حينها مقالاً بعنوان "كرم أبو سالم والفرصة التاريخية"، مطالبا بأقصى درجات التعامل العسكرى وتطهير سيناء من دون الالتفات إلى الترتيبات الأمنية الخاصة بسيناء عقب كامب ديفيد، وهو ما كانت قد بدأته بالفعل القوات المسلحة والشرطة فيما كان يطلق عليه العملية "نسر" إلى أن الدكتور مرسى أعطى أوامره بوقف العملية، وهو ما استجابت له القوات المسلحة والشرطة.
على نفس الوتيرة من الاستهانة بالأمن القومى المصرى، بل والتعمد فى خرقه، أعطى الدكتور مرسى أوامره بالتوقف عن ملاحقة خاطفى جنود الأمن المركزى وفك الحصار عن المنطقة التى كان يعتقد بتواجدهم بها، وامتثلت القوات المسلحة والشرطة مجددا للأوامر.
اختتم الدكتور مرسى عبثه بأمن سيناء، حينما رُفع إليه تقرير مخابراتى يحذر من تصاعد أعداد المجاهدين الأجانب فى سيناء المتدفقين من غزة عبر الأنفاق، وأن الجيش توصل إلى مجموعة من الأسماء ذات علاقة بمقتل الجنود المصريين الستة عشر، مع مطالبة مرسى بأن يسأل حماس تسليمهم للمحاكمة إلا أن مرسى رفض.
الآن وقد أصبح هناك واقع جديد فى السياسة المصرية بعدم وجود الدكتور مرسى على رأس السلطة أو بالأحرى مكتب الإرشاد، فلم يعد هناك غطاء سياسى للإرهاب فى سيناء مما يفتح الباب للتطهير والإستعادة، لكن وضع سيناء الحالى خلق خطرين استراتيجيين يواجهان القوات المسلحة المصرية، الأول هو مطرقة الإقرار بوقوع شبه جزيرة سيناء فى قبضة الإرهاب الدولى وخروجها من عباءة سيطرة الدولة المصرية، والثانى هو سندان إدخال القوات المسلحة المصرية فى نزال عسكرى طويل يخرجها من قالبها الأيدولوجى الوطنى بامتياز.
للتغلب على ذلك الأمر، أرى أن القوات المسلحة بدأت فى اتخاذ بعض التدابير الاحترازية ما قبل ٣٠ يونيه بعدة أيام، وتلتها بعض الإجراءات، فكانت: الدفع بقوات مناسبة التسليح والتدريب، تأمين النقاط الاستراتيجية غير المسموح بالهجوم عليها، الرصد والمراقبة الدقيقة ثلاثية المستويات، طائرات هليكوبتر ثم طائرات بدون طيار ثم أقمار صناعية، إغلاق معظم الأنفاق مع غزة وحصار البؤر الإرهابية بصورة شبه كاملة، الفصل ما بين بدو سيناء الوطنيين الشرفاء وما بين المسلحين، عزل شمال عن جنوب سيناء ومحافظات القناة، الإعداد النفسى والمعنوى للقوات المشاركة، إعداد الجبهة الداخلية وتقبلها للعملية ونتائجها، النقطة الأخيرة تحديداً يدلل عليها خطاب السيسى الأخير صباح أمس وطلبه تفويضاً من الشعب عبر الاحتشاد الجمعة القادمة، وهو ما أتوقعه مليونياً ومهيباً بكل تأكيد.
لم يخضع مدنىُ هذا الجيل لاستبداد مبارك أو صلف الإخوان، وبالتالى لن يخضع عسكرىُ هذا الجيل لحفنة من الإرهابيين فى شمال سيناء، سيروا على بركة الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة