قالها قيادى الإخوان المسلمين محمد البلتاجى صريحة أمام حشد من أنصار الجماعة بمسجد رابعة، إنه لو عاد الرئيس المعزول للحكم فستتوقف العمليات الإرهابية فى سيناء، وهذا يعنى أن الإخوان يستخدمون التنظيمات الإرهابية المسلحة التى ارتكبت سلسلة مجازر متزامنة خلال الأيام الماضية، أسفرت فى يوم واحد عن مصرع ستة وأكثر من ضعف هذا العدد من المصابين فى عدة أكمنة ومواقع تابعة للجيش والشرطة.
هذه المذبحة تعيد لذاكرتنا ما حدث فى رمضان الماضى، فدماء الجنود المصريين الستة عشر، التى سالت عند الحدود مع إسرائيل ساعة الإفطار يوم السابع عشر من رمضان الماضى، تكرّرت مرّات عديدة طوال العامين ونصف العام الماضيين.
ولا أذيع سرًّا حين أشير إلى أن حالة الانفِلات الأمنى التى تشهدها البلاد منذ ثورة 25 يناير 2011، مثّلت بيئة نموذجية للعناصر الإرهابية سواء من المصريين أو غيرهم الذين أسسوا معسكرات للتدريب فى المناطق الوعرة بسيناء، بمساعدة بعض الخارجين عن القانون من البدو الذين احترفوا تهريب المخدرات والأسلحة وحتى البشر بين مصر وغزة وإسرائيل.
تُصنف هذه الجماعات ضمن ما اصطلح على تسميته «السلفية الجهادية»، وهى خلايا إرهابية تتبنى منهج تنظيم «القاعدة» فكريًا وحركيًا، وهى ليست وليدة مرحلة ما بعد الثورة، لكنها كانت موجودة منذ عشرة أعوام على الأقل، لكنها تحولت نوعيًا من حيث حجم مخاطرها وقدراتها التسليحية وتنامى أعداد عناصرها.
ويلقى خبراء أمنيون بالمسؤولية فى هذا الازدهار للتنظيمات الإرهابية على نظام حكم الرئيس المعزول محمد مرسى الذى خفف السيطرة على الحدود بين مصر وغزة، متملقا بهذا الجناح الفلسطينى للإخوان متمثلا فى حكومة حماس التى تحكم القطاع، وقد ألقوا باللوم على مرسى لسماحه لمثل هذه العناصر الخارجية بالتسلل لغزة وسيناء على حد سواء.
الآن يضغط التنظيم الدولى للإخوان داخل مصر وخارجها بكل قوة لاستنزاف قدرات المؤسستين العسكرية والأمنية، بعد عزل مرسى ومع أن الإخوان يدركون جيدًا أن عقارب الساعة لن تعود للخلف، وأن مرسى ونظام حكم الإخوان أصبحا صفحة من التاريخ، لكنهم يواصلون الضغط بالاعتصامات الشعبية، واستخدام التنظيمات الإرهابية فى سيناء للضغط على الجيش والشرطة بارتكاب جرائم اغتيالات وتفجيرات كانت حصيلتها منذ الإطاحة بالرئيس المعزول فى الثالث من يوليو مقتل 20 على الأقل، وإصابة العشرات من الضباط والجنود.
سيناء.. بورصة للسلاح
وسيناء التى ارتوت رمالها بدماء شهداء مصر حتى تم تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى أصبحت الآن أزمة بالغة الخطورة على استقرار مصر، أما الأسباب فحدث ولا حرج، فهناك أطراف عدة تسعى لإشعال سيناء، لكن المهم فى هذا السياق هو أن الإجراءات وأساليب المواجهة لا تتناسب مع حجْم الخطر المُتزايد، سواء من حيث الكفاءة القتالية المتواضعة للجنود، وتسليح عتيق غير فعّال، بينما حصلت التنظيمات الإرهابية على أحدث الأسلحة إثر سقوط نظام القذافى وتهريب كميات هائلة من الأسلحة، بما فيها تلك التى لا تملكها سوى الجيوش النظامية، وساعدت فى ازدهار هذه التجارة عناصر إجرامية من بدو المغاربة «من قبائل أولاد على» وآخرون من قبائل سيناء، والزبائن يملكون المال سواء من «كتائب القسّام» التابعة لحركة «حماس»، مرورًا بتنظيمات تحمل أسماء شتى مثل «جند الله»، و«جيش الجلجلة» الذى انشق عن حماس، فضلا عما يسمى بمجلس شورى المجاهدين «أكناف بيت المقدس»، الذى تُنسب إليه العديد من العمليات الإرهابية.
ومن المثير للقلق أن تبرر بعض المصادر التى تحدثنا معها ما جرى مؤخرًا بأن الجنود الذين استشهدوا «محدودو الكفاءة»، لأنهم ينتمون إلى الشرطة المدنية.
فمهما كان انتماء هؤلاء الجنود للشرطة أو للجيش فى مثل هذا الموقع الحسّاس بالقرب من الحدود مع كلٍّ من غزة وإسرائيل فينبغى أن يكونوا على أرفع مستوى من التدريب والاستعداد لمواجهة عمليات طارئة وهجمات مباغتة، كالتى حدثت وتتكرر، وهنا يتجسّد دور المسؤولين بضرورة إعادة النظر فى تدريب وتسليح العناصر المكلفة بحماية الحدود والمنشآت الحيوية فى سيناء.
تتداخل السياسة مع الأمن القومى والانقسامات فى الشارع المصرى فبينما تواصل جماعة الإخوان حشودها فى الشارع، وتسيير عدة مظاهرات ضد ما يسمّونه «الانقلاب العسكرى»، فإن تلك المسيرات لم تمر بسلام، ووقعت عدة اشتباكات بين معارضى الإخوان، لعل أكثرها دموية مسيرة المنصورة، حيث قتل أربعا من سيدات الجماعة، مما دفع شباب الإخوان لتحميل قياداتهم المسؤولية لأنهم جعلوا النساء «دروعًا بشرية».
وبينما تراق الدماء على رمال سيناء، تعانى القوات المكلفة من تدنى مستوى تدريب وتسليح الضباط والجنود، فى مواجهة تنظيمات تمتلك قدرات تسليحية هائلة، مما يضع الأمن القومى فى مأزق حقيقى، لابد من تداركه على نحو عاجل. وأخيرًا فإن أزمة سيناء ليست أمنية فحسب، بل ينبغى وضع ترتيبات اقتصادية جديدة لتنمية سيناء، وإعادة النظر فى علاقة مصر بحركة «حماس»، وأؤكد ضرورة التمييز بين أهالى غزة من الفلسطينيين الذين يعانون الأمرّين تحت حكم «حماس»، وبارونات الأنفاق من هذا التنظيم الذى شق وحدة الصف الفلسطينى.
مصر بعيون أمنية.. سيناء والصراع السياسى بين الإخوان والقوى المدنية والمؤسستين العسكرية والأمنية بعد عزل مرسى
الأربعاء، 24 يوليو 2013 09:59 ص