أعترف أننا شعب له براعة عظيمة فى خلق الأعذار ودائما لدينا من الأسباب ما يدفعنا لذلك وبالقدر ذاته نبعد أميالا عن ثقافة الاعتذار والتسامح، لأننا نجهل أولا أساليب فن الاعتذار، ونكابر ونتعالى ونعتبر الاعتذار هزيمة وضعف يجعلنا نخسر الحرب المتوهمة بيننا والآخرين فنجد أن الرئيس إذا أخطأ لا يعتذر لشعبه وأن الموظف لا يعتذر إذا أجرم فى حق المواطنين أوأخفق فى أداء واجبه وأن سيدة البيت لا تعتذر لمن يقوم على خدمتها وأن سكان العمارة لا يعتبرون ( بواب العمارة ) إنسانا عليهم الاعتذار له إذا ارتكبوا بعض الخطأ فى حقه، وأن الأم تحرص على أن تنصح ابنتها بعدم الاعتذار لزوجها، وكذلك يفعل الأب مع ابنه والمدرس مع طلابه وهكذا.
نتجاهل كل المواقف التى تحتاج منا للاعتذار فنعجز عن نطق عبارات ( آسف، أنا آسف، سامحنى ) والسبب لأننا نجهل أن الاعتذار فعل نبيل والتزام يُعطينا الأمل بتجدد العلاقات الطيبة بيننا ويحسنا على تطويرها ويعلمنا أن القوة فى احترافنا بالخطأ وشعورنا بالندم على ما سببناه للآخرين من أذى بل يجعلنا قادرين على تحمل مسئولية أفعالنا من غير أن نلوم الآخرين أو نبحث عن أسباب للهروب حتى نتغلب على احتقارنا لذاتنا ونعيد الاحترام لمن أسأنا لهم ونجردهم من شعورهم بالغضب وبالتالى نكون قد فتحنا بابا للتواصل يشفى الجراح والقلوب التى أصابها الألم وتشيع ثقافة الاعتذار والتسامح التى أرسى قواعدها أرفع خلق الله قدرا ومكانة (الرسل والأنبياء) فقد اعتذر محمد صلى الله عليه وسلم فى مواقف كثيرة منها اعتذاره للكفيف (عبد الله بن أم مكتوم) فى القصة الرائعة التى خلدها القرآن فى سورة (عبس) حتى نتعلم الشجاعة الأدبية فى الاعتراف بالخطأ، وفى علاج الخطأ بالاعتذار لأنه (ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم) - سورة فصلت الآية 34 – ولأن الإنسان أخو الإنسان، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه كما قال رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم ( مثل المسلمين فى توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، وتآلفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ولكن ماذا يمنع الناس من الاعتذار وإشاعة روح التسامح بينهم لا شك أن هنالك موانع تمنعهم من ذلك مثل آفة الجهل التى تكون نتيجة لتراكم مكونات العناد والمكابرة والغرور، الذى يجعل صاحبه لا يعترف بالخطأ ثم تأتى آفة الكبر التى تغرس فى نفس صاحبها الغطرسة، والبطر وبالتالى عدم الاعتراف بحقوق الناس فى حفظ كرامتهم، وعدم المساس بهم، لأنه يرى نفسه فوق الجميع، ثم الخوف من النقد وحديث الناس وكذلك أمراض التعصب والنفاق، التى تبعدنا كثيرا عن العبارة التى تؤكد أن ( الصفاء الذهنى هو التفكير بمنهج التسامح الإنسانى).
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة