فرحة الصغار والكبار وارتداء الجلاليب الناصعة البياض لمعظم الأطفال والرجال والنساء ومن بعده يبدأ الانطلاق فى رحلة الذهاب سيرًا على الأقدام حتى نصل للساحات مع الأهل والأحباب لنكبر مرددين "الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد..”، ومن بعدها نصلى صلاة العيد؛ ياله من شعور جميل يحلم به الجميع فور إعلان ثبوت رؤية هلال العيد وانتهاء شهر اليمن والبركات وإخلاص النيات وطرق كل الأبواب بحثًا عن الخيرات وابتغاء الأجر والثواب لندخل من باب الريان بصحبة أهل الجنان بعد الإرتواء بشربة ماء من يد النبى العدنان الذى يصلى ويسلم عليه أهل الأرض والسماء.
تعالوا نفكر سويًا؛ ألا يمثل لنا إرضاء الرحمن وطلب الغفران والدعاء بالعتق من النيران هدف ورؤية سعينا لتحقيقها بنهاية شهر رمضان رغم ما كان من حر النهار الذى سبب للبعض أحيانًـا حالة من حالات الغثيان.
والسؤال لماذا وكيف احتملنا هذه المشقات؟ وهيا بنا نجيب:
لماذا؟ لأننا نتمتلك رؤية محددة وهدف نسعى إليه ولن يثنينا عن تحقيقه أى صعوبات مهما كانت، فلقد عقدنا العزم وأخلصنا النية من بدايته أن نصوم نهاره ونقوم ليله حتى وصلنا إلى نهايته آملين بل ونكاد نكون متأكدين من أن ربنا أعتقنا من النار وحرم أجسادنا عليها فهذا ظننا بربنا وهو سبحانه من قال فى حديثه القدسى " أنا عند ظن عبدى بي" فلقد توكلنا على رب العباد وأخذنا بالأسباب وحاولنا أن نجتهد حق الإجتهاد لنحقق هدفنا بفضل رب الأرض والسماء.
كيف؟ هناك عوامل وأسباب رئيسية نلقى عليها الضوء حتى نستفيد ونفيد وأهمها هو "ثبات الإيمان وقوة الاعتقاد"
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة وأتذكر هنا أحد آيات القراءن الكريم المحفوظ ليوم الدين وهى:
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات.
ولقد نزلت هذه الآيات فى أعراب بنى أسد الذين منوا على الحبيب إيمانهم فقال لهم المعصوم صلى الله عليه وسلم لا تقولوا آمنا وقولوا أسلمنا لأن الإسلام الظاهر الذى لم يخالط القلب يستحيل أن يكون إيمانًا مطمئنًا فى القلوب.
والحمد لله لقد جاهدنا وأصررنا وانتصارنا على شهواتنا كلها سواء طعام أو شراب أو خلافه وصومنا شهرنا وقمنا ليله وتصدقنا على قدر طاقتنا وبهذا فقد حققنا "الحمدلله" هدفنا الواقعى الملموس الذى تمكنا من قياسه لأنه محدد ومرتبط بوقت لتحقيقه.
بهذا؛ فرمضان بداية رائعة لكل من يريد أن يضع لحياته أهداف ورؤى يسعى بمنتهى القوة لتحقيقها والوصول إليها فلقد قمت فى رمضان بالتوكل على رب العالمين ثم قمت بتحديد هدفك ورتبت أولوياتك ووضعت خطتك وبدأت فورًا بالتنفيذ ولم تسوف مطلقًا فى صومك فأن فاتك يومًا فلن تستطيع تعويضه أبد الدهر.
حقًا استفدنا من شهر الخيرات دينيًا ودنيويًا وتعلمنا منه أنه لا مستحيل أمام التوكل بحق على ربنا ثم تعلمنا أن ندعم إرداتنا القوية المستنيرة بنور ربها وليس بمجرد اهواء ومصالح شخصية ليس لها من البداية أساس.
ما أروع شعور تحقيق الأهداف فكيف لإنسان أن يحيا دون أن يعرف ماذا يريد من هذه الدنيا أو لا يعرف لمن يخلص نيته، هنيئًا لمن صام وقام وتاب واستفاد من شهر الخيرات ومن بعده أصبح دائمًا على أهبة الإستعداد ليرسم بيديه حياته ويخطط لمستقبله كما خطط لصيامه وقيامه، يا أيها المسلم الحق توكل وأعمل وأنطلق فرب العباد لن يعطى إلا المجتهد فهو سبحانه من قال فى سورة الكهف أية 30 " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" فالأجر والثواب لا يكون إلا بعد العمل والاجتهاد ومن قبل إخلاص النيات ولرب العباد ثم بالتفاؤل بالوصول للأهداف وللغايات.
الأن.. استثمر شهر الرحمات والصبر على الطاعات وأصنع لنفسك مجدًا تخلده الأجيال ولا تمحوه الأيام ولتتخذ فى ذلك القدوة والمثال، فلو قلنا شيخنا "محمد متولى الشعرواى" فمن منا يشعر أنه أنتقل لجوار الرحمن فأننا نشعر بأنه حيًا بيننا بعمله وإخلاصه لربه وسعيه لخدمة دينه ووطنه وهناك الكثير والكثير من أصحاب الهمم والإنجازات سواء كانوا عرب أو أوربيين أو أمريكان فلنتخذ القدوة من " الشيخ نوح القضاة العلامة الأردنى الجليل الذى كان يضع فى جيبه قلمان يستخدم احدهما لأعماله الخاصة، والثانى لأعمال الدولة، وهل يتغافل أحد من المسلمين عن مجهودات الملك فهد فى التيسير على الحجيج وتوسعة الحرم المكى والمسجد النبوى الشريف، ومن ينسى أديسون الذى اجتهد وأضاء البشرية ومن ينكر دور عباس بن فرانس ونحن نستخدم حلمه الذى تحقق ونسافر به إلى كل مكان فى زمان قياسى ومن منا لا يعرف صاحب جائزة نوبل الدكتور المصرى أحمد زويل، مرورًا بكل العلماء والمجتهدين على مر الزمان فمن ينسى أبو الإدارة الحديثة بيتر داركر أو المهاتار غاندى الذى كان لا ينصح إلا بعد أن يطبق ما ينصح به، ومن يتغاضى عن تاريخ نيلسون مانديلا وكفاحه من أجل القضاء على التفرقة العنصرية وخاتمها مسك أذكر من لاينكر دوره إلا جاحد أو حاسد "الشيخ زايد أل نهيان" رحمة الله عليه موحد ومطور دولة الأمارات الشقيقة وصانع نهضتها والمساهم فى العديد من المشروعات والإنجازات فى الكثير من بلاد الأمة العربية وعلى رأسها مصرنا الغالية، وكل هذا على سبيل الذكر وليس الحصر أبدًا، المهم أن تخلص نيتك لربك حتى يدون ذلك بصحيفة حسناتك التى ستتلقاها بيمنك بفضل ربك قبل أن يكتب ذلك فى تاريخك الدنيوى عند عباده.
هيا؛ نستثمر طاقة رمضان ونطوى صفحة الخلافات ونعمل جميعًا من أجل تطوير أنفسنا بما يصلح مجتمعنا ويخدم ديننا وذلك مرضات لربنا وإعلاء لمنزلة وقدر وقامة أرض.
أحمد كمال الدين يكتب: رمضان.. عبادة وأهداف ونجاح
الثلاثاء، 23 يوليو 2013 08:08 ص
د. أحمد كمال الدين "خبير التنمية البشرية والتدريب"