أَرسل الله الرسل، مبشرين ومنذرين، وختم رسالاته بخير من أُرسل للعالمين سيدنا محمد النبى الأمين، وأنزل للنبى كتاباً يُقرأ إلى يوم الدين، هو سراج ونبراس وهدى ونور مبين، يهدى به الله من يشاء ويزيد بفضله الشاكرين، فيه من البلاغة والتبيان ما يعجز الخلق عن إتيانه أجمعين.
سبحان من أنزل القرآن الكريم، ليخرجنا به من الظلمات إلى النور، رحمةً منه وفضلاً على العالمين، واصفاً كتابه بأحسن الحديث وأكثره تأثيراً فى النفوس، ففى سورة الزمر يقول الحق العلى: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِى تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ"
بل فاق تأثير القرآن من كونه يؤثر فى النفوس حتى امتد تأثيره ليصل للجماد فقد يهبط من خشية الله، وقد يتصدع الحجر حتى يتفكر ويتدبر الإنسان فى عظيم ما أُنزل ففى سورة الحشر يقول الحق العلى: "لَوْ أَنْزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"، فالقرآن ليس كتاباً كسائر الكتب، وليس بكلماتٍ تجتمع لتكون جُملا ولكن هو كلم من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو عقيدة وعلم ومنهاج وتبيان كل شىء فيه خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وحكم ما بيننا وهو الفصل ليس بالهزل وهو الذى لا تزيغ به الأهواء ولا يشبع منه العلماء، كما قال النبى فى حديثه.
فآيات القرآن آيات بينات واضحات من يُعرض عنها، تكن له الضنك والحزن ومن يقترب منها تكن له الراحة والسعادة والفوز، فى الدنيا قبل الآخرة، ومصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى، فى سورة طه: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى"
ففضل الآيات جم، وقراءتها ممحاة للهم، فالقرب منها مفجر للسرور، ومزيل للغم، فاحرص على ورد لك منها كل يوم، فعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"، وفى حديث أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعاً لأصحابه"
ففضل القرآن وآياته كبير وعلى، ولا يغتنم الخير إلا من ذاق حلاوة القرب من كلام الرحمن، ولا يشعر بالسعادة إلا من عَقلَ وتدبر الآيات وراح ليطبق وليعمل بمحكم التنزيل ليكن هو له النجاة من كل مهلكٍ، ومن كل مضيعٍ، فالقرآن سكينة ورحمة واجتماع وأُلفة، ونور ورضا ففى حديث أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم: قال "ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".
• فاللهم ارحمنا بالقرآن وآياته واجعله لنا إماماً ونوراً وهدى ورحمة، وذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه يا ربنا ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار... واجعله لنا حجة يا رب العالمين.
