عندما نقول هذا الإنسان متحضر، فالمعنى أنه يحترم القانون ويحافظ على النظافة والنظام ويتعامل بأساليب مهذبة ولا يجعل الزحام مبررًا للفوضى ولا يحتج بنقص الموارد سبباً للتخلف وهناك تناسب عكسى بين التحضر والمخاطر، التى تترتب على الأفعال وتعود على الغير بالهلاك.
والحضارة أياً كانت بيئتها وفلسفتها محكوم عليها بالفناء إن استندت على قواعد منشئها الهوى وغايتها المصلحة المادية فقط والعكس صحيح فى تلك التى تقوم على قواعد وضعها الله لتنظيم حياة خلقه فى الدنيا لنصل إلى الآخرة بسلام.
وإصلاح اعوجاج المجتمعات سعيًا وراء التحضر يبدأ بتحديد المفاهيم الخاطئة ثم الشروع فوراً فى تغييرها وإحلال المفاهيم الصحيحة محلها مع عدم العودة إلى هذه الأخطاء مرة أخرى، وهو ما يوازى التوبة النصوح فى الدين ثم يأتى بعد ذلك الإخلاص فى العمل وهو الطريق إلى الإتقان أن الله يحب إذا عمل إحدكم عملا أن يتقنه ثم فى الأخير المراقبة الذاتية، وهى مربط الفرس لأنها يجب إلا تفرض من الخارج، وإنما تكون نابعة من داخل النفس قال تعالى قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين وقال (ص) اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فإذا كنا نعانى من عدم التزام البعض منا بقواعد وإشارات المرور إلا إذا وجد الجندى بجوار السيارة والرادار على الطريق السريع!! وإذا كنا نشكو من انعدام الضمير عند البعض أثناء العمل إلا إذا وجد المدير داخل المكتب، وإذا كنا نشاهد سلوكيات كثيرة مرفوضة وسلعاً غير مطابقة للمواصفات القياسية، مما يؤدى إلى استنزاف موارد المستهلكين، فضلاً عما قد ينجم من حوادث ناتجة عن فساد المنتج فلأننا أغفلنا هذه الفضيلة الأساسية – فضيلة المراقبة والإحساس برؤية الله لنا – وأعطيناها إجازة طويلة مدفوعة الأجر فغابت عن حياتنا واختفت تماماً من برامج تربيتنا للنشء الصغير، أننا يجب أن نوقن أن المفهوم الحقيقى للعبادة التى يريدها الله منا هى ما عادت نتائج تأديتنا لها على غيرنا خيرا وسلاما وتقدما فأحب أعمال الناس إلى الله ما عاد خيرها على غيرهم، ولا شك إن إحياء هذه الفضيلة داخل نفوسنا سوف يدفعنا إلى إجادة الأعمال بما يعود على المجتمع بالخير، وبالتالى إلى تقدمنا واللحاق بقطار التقدم السريع.
