كنت بدأت فى كتابة هذا المقال يوم الاثنين الماضى بعد منتصف الليل، نمت على أمل أن أكمله فى اليوم التالى. فى اليوم التالى بعد أن حضرت لقاء مع السيد الرئيس شارك فيه عدد من الكتاب الكبار.. فاروق شوشة وسكينة فؤاد ومحمد سلماوى وجمال الغيطانى ويوسف القعيد ومحمد المخزنجى والدكتور عماد أبو غازى، وكان اللقاء جادا وبسيطا ظهرت فيه لنا بساطة السيد الرئيس وجديته الكبيرة فى المرور من هذه الفترة الانتقالية بأسرع وقت وقد تحققت خطوات خطة الطريق، كما جاءت فى بيان القوى الوطنية الذى قرأه الفريق عبدالفتاح السيسى يوم عزل محمد مرسى على نفس الترتيب الذى أعلنت به، دستور جديد ثم انتخابات نيابية ثم انتخابات رئاسية وهو الطريق الذى تحاول عرقلته الآن جماعة الإخوان باعتصامها والفوضى التى تبثها هنا وهناك وبعض القوى السياسية التى لم تتعظ مما مضى، وتحاول إرجاء الانتخابات والدستور، بحجة عدم الاستقرار، كأننا كنا فى استقرار، أو كأن الاستقرار يستدعى وجود من ثار عليهم الشعب فى المشهد من جديد بعد ما فعلوه ويفعلونه كل يوم من أذى.
لم نتحدث فى اللقاء مع السيد الرئيس عن الثقافة، الأوضاع السياسية أخذت كل الوقت، وكنا جميعا نعرف أن الدكتورة إيناس عبدالدايم هى وزيرة الثقافة التى ستقسم اليمين فى نفس اليوم، الثلاثاء، وبعد أن انتهى اللقاء بساعة عرفت من تليفون من الفنان التشكيلى الكبير أحمد شيحة أنه تم ترشيح الدكتور صابر عرب لمنصب وزير الثقافة وليس إيناس عبدالدايم، كان الخبر غريبا وصار حديثنا جميعا، خاصة أن إيناس عبدالدايم كانت تقريبا فى طريقها لتقسم اليمين، على الفور ارتفع اسم حزب النور باعتباره هو الذى اعترض على وجود امرأة فى وزارة الثقافة، وأن هناك تهديدات وصلتها وضغوطا من الدكتور الببلاوى لتمر الأزمة.
وكان الذى يشغلنى، كيف حقا لم نعرف شيئا من ذلك ونحن فى الاستراحة فى انتظار اللقاء مع السيد الرئيس؟ وكيف حقا شغلتنا القضايا السياسية العامة ولم نتطرق للثقافة فكنا عرفنا منه أو من مساعديه الذين حضروا معنا اللقاء الأستاذ أحمد المسلمانى أو الدكتور مصطفى حجازى؟ حدث لغط كبير بين المثقفين بعد انتشار الخبر، والتقينا فى وزارة الثقافة قبل وبعد الإفطار، ولم يتحقق لى على وجه صحيح من هو سبب استبعاد الدكتورة إيناس فى آخر لحظة، ولن أدخل فى تفاصيل ما جرى من حوار فهو كثير بحجم المفاجأة.
انتهيت فى منتصف الليل إلى معنى واحد، إذا كان حزب النور هو السبب فهذا لا يبشر بأى خير فى العمليات السياسية القادمة، ومؤكد أن ترشيح الدكتور صابر عرب جاء فى اللحظات الأخيرة خلاصا من الأزمة باعتباره وزيرا سابقا لا ينتمى لأى حزب، ولم تحدث قلاقل فى وزارته، وخبرته فى الإدارة لم تكن مثارا لغضب، قلت للذين أحسوا بالهزيمة هذا إحساس خاطئ، فلم يحدث أن ثار المثقفون على وزير وكانوا من طلائع ثورة الوطن كله، وصابر عرب حلف لرئيس الوزراء أمام ضغوط لم يكن يجب أن يكون لها اعتبار، إذا كان حقا وراء ذلك حزب النور الذى لم يشارك فى أى مرحلة من مراحل الثورة، وصابر عرب ليس ممثلا لحزب النور ولا غيره، وعلينا أن نكتفى بما فعلنا فالوزارة ستمضى فى عملها بعيدا عن أى تيارات سياسية متخلفة، وسنرى، لكن لم يكن ممكنا نفسيا أن أغير ما كتبته فى مقالى الذى أجلت استكماله ليوم الثلاثاء، وفيه الكثير مما يمكن أن يضعه الوزير الجديد فى اعتباره وخاصة ما يتعلق بالعمل الثقافى الأهلى، وهاأنذا أنشره كما هو:
«أتصور أن عصرا جديدا ينتظر وزارة الثقافة، أو هكذا يجب، لم يكن اعتصام المثقفين منعزلا عن الضيق العام من عصر الإخوان كله، ومن ثم فما كادت تمر عشرة أيام على الاعتصام حتى كانت كل الأحاديث تقريبا لكل من شارك فى الاعتصام أو تعاطف معه أن المسألة تجاوزت تعيين وزير أو قرارات وزير، لكنها الآن ارتبطت بما يحدث فى المجتمع المصرى من تمرد على حكم الإخوان، والملاحظ أنه منذ يناير عام 2011 ووزارة الثقافة لا تحظى باهتمام الحكم. والوزراء الذين تعاقبوا عليها بدورهم كانوا يعرفون أن أيامهم معدودة بفعل حالة عدم الاستقرار وأقصى ما فعلوه أن تركوا كل شىء يمضى كما هو، لا جديد ولا تجديد.
الوزير الوحيد الذى فكر فى الحركة ذهب إلى الطريق الخاطئ، لم يدرك ما حوله من حركة فى المجتمع تنذر بإنهاء عصر الإخوان نفسه، ولم يدافع عن قراراته بما يقنع أحدا وتفرغ للرد على معارضيه بالتقليل من شأنهم وغير ذلك مما لا أحب العودة إليه، لكنه كان السبب الرئيسى لاشتعال الأزمة وزيادتها كل يوم.
ما مضى قد مضى، واعتصام المثقفين التحق بانتفاضة الأمة كلها، وعزل محمد مرسى، وجاء رئيس جديد مؤقت وقامت وزارة جديدة، أى أن دولاب العمل يمضى رغم اعتصامات أنصار المعزول، واختير لوزارة الثقافة الدكتورة والفنانة إيناس عبدالدايم التى كان عزلها من منصبها بيد الوزير السابق هو العثرة الكبيرة له والحافز الأكبر على معارضة المثقفين، والوزير الجديد امراة لأول مرة فى تاريخ الثقافة المصرية، وهناك أكثر من امراة فى وزارة الببلاوى، ووزيرة الثقافة فنانة وعازفة فلوت عالمية عرفتها دار الأوبرا المصرية ودور الأوبرا العالمية فى كل العالم، فهى وجه عالمى بقدر ما هو مصرى.
تدخل الدكتور إيناس دولاب العمل بالوزارة بعد تجربة ناجحة فى دار الأوبرا المصرية، وستجد حولها وأمامها هيئات وأجهزة ثقافية أخرى كبيرة يختلف عملها وأهلها عن الأوبرا، وأفضل ما تفعله الوزيرة الجديدة هو ما يفعله أى وزير ناجح وهو الالتقاء بقيادات كل جهاز لتسمع منهم على حدة، ثم الالتقاء بشباب المثقفين والفنانين لتسمع منهم أيضا بعيدا عن قيادات الوزارة، وفى النهاية ستقدر موضع قدميها وسط عالم الثقافة المصرية الملىء بالحفر، وبعيدا عن هذا كله أود أن أقترح عليها أن تجد طريقة قانونية مع مستشاريها لتكون مؤسسات الوزارة وأجهزتها أجهزة ربحية بطريقة لا تخل بما هو مكرّس لكل منها من ميزانية، وبحث سبل الاستفادة بهذه الأرباح فى زيادة وتطوير كم وكيف العمل فى كل الأجهزة وأرباح العاملين بها أو مكافآتهم، والأهم أن تفتح بابا للعمل الأهلى يطل من مقار الوزارة، وبالذات الثقافة الجماهيرية التى تمتلك مئات القصور وبيوت الثقافة والتى تعمل عملا روتينيا منذ سنوات طويلة، كيف يكون للوزارة دور كبير فى تشجيع العمل الأهلى؟ سؤال أتمنى أن تكون الإجابة عليه هى الإقرار بأهمية هذا العمل وضرورة دفعه إلى الأمام بقوة فهو الأكثر حرية والأكثر تجريبا والأكثر ارتباطا بالحياة والثورة الآن.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أ / أحمد العقدة
الأستاذ خالد صلاح صاحب الرؤية الثاقبة