سامحنى آسفاً: عبارة بسيطة لكنها رسالة عظيمة تحمل فى طياتها الكثير من معانى الإحساس بالمسئولية والاعتراف بالخطأ بل أنها مهارة من مهارات الاتصال الاجتماعية وظاهرة صحية لأنها تحمل الرغبة فى الإصلاح وبناء ما تهدم بسبب ما تم ارتكابه من أخطاء عن طريق الفعل أو الكلام، ومع ذلك تظل هذه العبارة الأصعب على ألسنتنا لذلك نسارع أو يسارع بعضنا إلى تبادل اللوم حتى لا نلجأ إلى الاعتذار وهكذا غابت ثقافة التسامح والاعتراف بالخطأ فى مجتمعنا وتم استبدالها بعبارات مثل ( وأنا مالى ، يتفلق ، يشرب من البحر ) وغيرها كثير فأخذ بعضنا يسئ للبعض فى اليوم الواحد عشرات المرات أو أكثر فلا يقول ( أنا آسف) أو يعتذر فيجرح هذا ويسب ذاك ويعتدى على أفراد أُسرته وزملائه فى العمل أو جيرانه مرة باللفظ وأخرى بالفعل ولكنه يعجز أن يقول ( سامحنى ) لأنه نسى أن التسامح فضيلة أخلاقية وقيمة مجتمعية كبيرة وأنه شرط وجود الإنسان وضرورة اجتماعية للعيش لأن الذات المتسامحة مع نفسها والآخرين تعيش حياة رغيدة والسبب أنها فهمت أن التسامح واجب أخلاقى مدنى على كل الأفراد الالتزام به بعيداً عن التعصب والأفكار المغلوطة التى تجعلنا ننظر إلى الأمور بعين الكمال التى تُزيف لنا الحقائق فلا نرى إلا سوء الظن يتسلل من( الأنا الضيقة) ويسير بنا فى دائرة ضبابية ضيقة لا نستطيع الرؤية من خلالها إلا يسيرا فيقودنا التعصب الذى هو ضد التسامح أن نجعل كل من يختلف معنا خصماً لنا من غير أن نفهم منه أو نتحاور معه لمعرفة ماذا يُريد أو ما هى وجهة نظره وبالتالى نُغلق أبواب التفاهم وجميع نوافذ الالتقاء والتقارب، لأننا نُكابر مع علمنا بالخطأ ونتكبر ونترفع ونسوق المبررات تلو المبررات حتى لا نعتذر أو نُسامح. والآن هل نحن مستعدون لرفع شعار التسامح فى حياتنا وسلوكنا اليومى وتواصلنا مع الآخرين؟ وهل مستعدون للاعتذار وطلب الصفح والغفران أم تظل قلوبنا متعلقة بقول الشاعر:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب ** فالناس بين مخاتل وموارب
يُفشون بينهم المودة والصفا ** وقلوبهم محشوة بالعقارب
