محمد جلال الأزهرى يكتب: ذو الوجهين

يحكى أن أرنباً، كان معها ثمرةٌ، فأخذها منها الثعلبُ، فتخاصما، وقالا نحتكم إلى أبى حسل (كنّيةُ الضب) فجاءاه . . وقصّا عليه القصصَ . . فقالتْ الأرنبُ: كانتْ معى ثمرة، فقال أبو حسل: حلوة فكليها.

قالتْ: فأخذها منى هذا (تعنى الثعلب)، فقال أبو حسل: ما يبغى إلا الخير
قالت: فلطمته، فقال: بحقك أخذت
قالت: فلطمنى، فقال حرٌ انتصر
قالت: اقض بيننا، فقال أبو حسل: قد قضيت!!

إنّ هذه الإقصوصة الخيالية، لتجد فيها من الإسقاطاتِ على واقعنا المعاصرِ، ما يجعلك على يقين أننا كمجتمع نحتاجُ إلى ثورة فى النفوسِ قبل الثورة فى الميادين، مصداقاً لقوله - عز وجل – (إنّ اللهَ لا يغيرُ ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد : 11)، فكمْ من أبى حسل بيننا، يقضى ويفتى ويبيحُ الدماءَ ويحرّمها ويسوس الخلقَ. دون وازع من فهم أو علم !! وكم من النّاس بيننا تتلبسهم تلك الأرنبُ، والأرنبُ يضربُ به المثلُ فى الحمقِ عند العربِ، فيقال: أحمق من أرنب! ناهيك عن هذا الثعلب ذا المكر والدهاء.

وأفرادُ أى مجتمع من المجتمعات فى شتى العصور، بهم من هواة السلبيةِ، ومنْ دعاةِ الحيادية الضارةِ، ما تنوء بأمثلته الكتبُ، إنّنا نحتاجُ إلى رؤية واضحة غير متذبذبة، وإلى قرارات فى كل زاوية من زوايا الحياة، لا تريد إلا إرضاء الحقِ، والحقَ فقط، وليس تغليب مصلحة، أو نفاق أياً كان .

إنّ هرطقةَ، الحياديةِ فى كل أمر منْ أمور الحياة، وتقمّص دورَ حمامةِ السلامِ بين الشيطان متمثلا فى الباطل، وبين الطرف الآخر متمثلا فى الحق، لهو انبعاجٌ فكرى، وغيابٌ لمنهجية إحقاق الحقِ وهضّمه وبثه بين الناس.

فالحياديةُ ليس قاعدة مطلقة وسبيلاً مسلوكة دائماً فى الحياةِ. فالحياديةُ تكونُ بين المتخاصمين، وفى التحكيم والنزاعات؛ سواءٌ على مستوى الدول أو المجتمعات وعلى مستوى الأفرادِ، ولكنْ هناكَ أمورٌ لا تعرف الوقوفَ إلى جانب ما، إذ إنّها حقٌ أو باطلٌ.

وإنّ الرسولَ – صلى الله عليه – أخبرنا بصاحب الورقتين، وليس كما يقول كثير من الناس (بتاع تلت ورقات) فقد أخرج الإمام البخارى من حديث أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال (تجد شرارَ الناسِ يومَ القيامةِ (ذا الوجهين)، الذى يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.