فشل المخرج خيرى بشارة فى إعادة تقديم قصة الفيلم السينمائى «الزوجة الثانية» فى حلقات تلفزيونية، بصورة تحاكى الواقع المجتمعى للقرية الريفية فى ستينيات القرن الماضى، حيث خرجت الحلقات الأولى للمسلسل عن روح الواقعية التى سادت العمل السينمائى، بضعف التركيبة الدرامية للعمل، بدءًا من السيناريو المفكك، والحوار الضعيف، إلى الأداء الباهت لجميع أبطال العمل منعدمى الموهبة، ولم يستطع المخرج رسم الجو العام الذى يحيط بطبيعة القرية الريفية خلال شهر رمضان، من روحانيات، وأدعية وأذكار تنطلق من المساجد، حيث ألمح المخرج من خلال الأبطال فقط إلى أن العمل يدور فى شهر رمضان.
ورغم المبالغة فى حجم الدعاية التى أطلقتها الشركة المنتجة للعمل وكذلك القنوات الفضائية التى تعرضه، أملا فى جنى إعلانات الموسم، فإن الجمهور انصرف عن مشاهدته مع بداية عرض الحلقات الأولى التى جاءت مخالفة لروح التفاؤل التى انتابت البعض ظنا منهم فى أن يكون المسلسل بمثابة بانوراما درامية تشبه الفيلم السينمائى الخالد، الذى أرخ للديكتاتورية والظلم الواقع على الفلاح المصرى البسيط فى حقبة زمنية معينة.
ويكمن الاستفزاز فى الأداء الضعيف والباهت للشخصيات الأربعة الذين يشكلون المحور الأساسى للعمل، وهم «عتمان» عمرو عبدالجليل، و«حفيظة» علا غانم، و«فاطمة» آيتن عامر و«أبوالعلا» عمرو واكد، حيث أعاد عمرو عبدالجيل تجسيد شخصية العمدة «عتمان» بطريقة مفتعلة، وأخرج الشخصية من الوقار إلى الابتذال والإسفاف، ومن الجدية إلى الهزل والهزار، بجمل حوارية «ساذجة» تعمد أن ينطق بها طوال الحلقات الأولى لكى يضحك الجمهور مثل التى وردت على لسانه فى الحلقات الأولى كقوله «موتوه وهاتوه علشان أموته»، و«اهتف وأنت ساكت من غير صوت بس اهتف» ويرسل لطبيب القرية وعندما يأتى إليه يقول له «العيار فات من جنب إيدى وأنا عايز أعالج إيدى»، وغيرها من الجمل الحوارية الساذجة التى تدلل على فقدان المخرج للرؤية الصحيحة، وجعل عبدالجليل ينقل أبعاد الشخصية من الديكتاتورية والظلم إلى السطحية والسذاجة.
ويبدو أن ثقافة علا غانم المنعدمة عن المجتمع الفلاحى، جعلتها تعتمد فى تجسيد شخصية «حفيظة» على الإثارة الزائدة التى تتناقض تماما مع طبيعة الفلاحين- خاصة فى هذه الفترة التى كان يغلب عليها الحياء- وارتداء ملابس عارية ساخنة لم يرتدها أثرياء الفلاحين فى ذلك الوقت، لكن جهل علا غانم وصناع العمل بالريف جعلهم يتخيلون أشياء ليس لها وجود، ولم يريدوا أن يضيعوا وقتهم وجهدهم بمشاهدة الراحلة الكبيرة القديرة سناء جميل وهى تجسد الشخصية باحتراف وواقعية دون ابتذال.
وجاء إسناد دور «فاطمة» الذى جسدته السندريلا سعاد حسنى، للوجه المتيبس آيتن عامر التى لا دخل لها بعالم التمثيل من قريب أو بعيد، بمثابة الصدمة على الجمهور، خاصة بعدما ظهرت من الحلقة الأولى فى أسوأ حالاتها الفنية بفقدانها الانفعال، والحالة النفسية التى من المفترض أن تتقمصها، وظهرت باردة لا تنفعل ولا تحس ولا تشعر بمفردات الشخصية، وارتدت ملابس فلاحى فاخرة تتناقض مع حالة الفقر المدقع الذى تعيشه، وغابت عنها الرؤية الخاصة بالعمل واكتفت بترديد جمل حوارية مقززة تقول فيها وهى سائرة أمام العمدة فى الطريق الزراعى «هى الجلابية لازقة أنا خايفة تكون لازقة» مما أصاب المشاهد بالنفور منها.
ولكى تكتمل ملامح الجريمة التى ارتكبها خيرى بشارة بتحويل الفيلم إلى مسلسل، أسند شخصية «أبوالعلا» لعمرو واكد الذى ظهر أداؤه ركيكا وضعيفا وقليل العطاء، لا ينفعل ولا يهتز ولا يعلم معنى الكد والعرق بالنسبة للفلاح الريفى، واكتفى بإقحام السباب والشتائم على السيناريو بطريقة تدعو للاشمئزاز وهو يردد «يا ابن الكلب ويا ابن الجزمة»، وكأن أحدا أوهمه بأنه عندما يردد الشتائم يتقن شخصية الفلاح.
ولم تكن بداية العمل منذ عرض الحلقة الأولى مبشرة، حيث بدأ بحوار "تافه" يجمع بين "فهيمة" التى تجسدها إيناس عز الدين، وبين "كلب" اعتدى على "بطة" وأكلها من المنزل، وتستمر التفاهة فى الحوار لأكثر من 3 دقائق، وهى تحاول جاهدة تقليد لهجة الفلاحين بسذاجة واضحة فى كسر الكلمات والحروف، ولعل الجميع يعلم أن المخرج العبقرى صلاح أبو سيف بدأ سيناريو الفيلم السينمائى "الزوجة الثانية" بتسليط الضوء على البغى والظلم من عمدة القرية "عتمان" فى أول لقطة بالفيلم، وظهر هذا بالحوار الذى دار على طريق ترعة القرية بين "عتمان" الذى جسده النجم القدير صلاح منصور وإحدى فلاحات القرية التى استولى منها على ما تملكه ليعفى ابنها الذى لم يبلغ 11 عاما من التجنيد فى صورة تؤرخ للظلم والديكتاتورية.
ويستمر حوار الحلقة الأولى فى سذاجته فى المشاهد التى جمعت بين "حفيظة" علا غانم، وزوجها "عتمان" عمرو عبد الجليل، حيث استمر الحوار بينهما لأكثر من 7 دقائق كاملة يدور بسطحية وتقليد لكلام المجتمع الفلاحى حول نقل تليفون القرية من منزل العمدة الراحل إلى منزلهما بعد أن تقلد مناصب "العمودية"، وحاول عمرو طوال مدة الحوار أن "يفتكس أى افتكاسات لكى يضحك الناس"، ويتضح أن المخرج قد نسى أن الحلقة الأولى تدور أحداثها فى رمضان، حيث حاولت علا غانم أن تغرى زوجها وتحضنه فى ظهر اليوم أثناء الصيام، وهذه ليست طبيعة الفلاحين.
ولم يقتصر الهزل والإسفاف فى الحوار الممل الطويل، بل امتد ليصل إلى أداء الفنانين الذين ظهروا كأنهم دمية تقف على المسرح تتحرك بلا حس ولا شعور ولا انفعال بالقضية التى يطرحها العمل، وجاءت الحلقات المتتالية امتدادا للهزل والإسفاف فى الحوار الذى تم تحريفه على أيدى كاتبى سيناريو المسلسل يس الضوى وأحمد صبحى.
مسلسل «الزوجة الثانية» بطولة علا غانم، عمرو عبد الجليل، عمرو واكد، أحمد صيام، آيتن عامر، وإخراج خيرى بشارة.