ما من شك أن 30 يونيو بروحه المتفردة، وعظمته الرائعة يشكل لحظة تاريخية فارقة فى حياة المصريين، وما من شك أن خيارات التوافق المتعددة التى طرحتها كثير من القوى الوطنية قبل 30 يونيو قد ضمر جسدها وتصدعت أركانها بفعل داء التجاهل الذى أصاب النظام (المعزول).
هذه الخيارات التى ما بقى منها على وجه الحياة أصبح مكسوا بالشكل الفرضى والفورى معا لإنهاء هذه الأزمة التى لم يترك صناعها باب مفتوحا حين الرجوع، لم يجد نفعا حالة التناسى التى راح فيها صناع الأزمة، خاصة مع ازدياد حجم المعاناة اليومية للمواطن البسيط، بل وفقدانه الأمل المؤكد فى انجاز مطالب ثورته المسروقة قهرا وفى وضح النهار، فالتاريخ الذى سجل لهذا الشعب عظمة أبهرت العالم فى 25 يناير لم يكذب ولم يتجمل، لكن الانحياز دائما للجانب المظلم فى التاريخ هو حتمية لازمة الحدوث للمكابرين والمتعالين الذين يظنون انهم يملكون الشعوب.
أما الآن فالأمر بات واضحا والاحتكام إلى العقل هو السبيل، بدلا من تعالى الأصوات الحمقاء التى تصدرت المشهد، والنعرات القاتلة الداعية إلى مزيد من الدماء ومزيد من التناحر ومزيد ومزيد من الانقسام، ربما كان بيان الأزهر الشريف الأخير ناقوس خطر بعدم الانجرار نحو مزيد من التصعيد، لكن الأهواء وأصحاب الأنفس (المنفوخة) كبرا وصلفا لن تأبى إلا ان تنفخ فى النار فتزيدها سعيرا.
هكذا كانت تجرى الأحداث فى مصر على نحو عام مضى ولا زالت، فلم نر ولم نسمع إلا وقودا من الألسنة يشعل نار الفرقة مكسوا بدماء المصريين، وخلافا للتوقعات فربما ما نحن فيه ألان فرصة تلوح فى أفق التوافق والاصطلاح - الشعبى وليس النخبوى - الأمر الذى بات مستحيلا فى المشهد السياسى المصرى وبعيدا تبادل الاتهامات والدخول فى تفاصيل الخلاف، وخروجا من المضيق المظلم الذى دخله الجميع طوعا أو كرها نظاما ومعارضة، وخلافا لكل التحليلات والتوقعات فقد يبدو التوقيت الحالى نقطة انطلاق مصالحة وطنية واسعة النطاق على أسس محددة ومعلومة للجميع حاكمها الأعلى مصلحة الوطن، لزاما فيها أن يتخلى الجميع عن أنويه باتت ممقوتة تتوارى وراء شعارات ومصالح وأهداف لا هى بالوطنية ولا هى بالعامة وأن تكون لحظات العقل الراجح هى الفاصل بعيدا عن التوجيهات والمشاورات، فالأمر بات فى غاية من الخطورة وأعقد من الاستحقاق الدستورى الذى ينادى به البعض بالبقاء أربع سنوات والتى (إن كانت) فإنما ستكون ملطخة بدماء الشهداء دون توصيف أو انتماء والتى (إن كانت) فإنما ستكون ممزوجة برائحة الحاجة والعوز الكريهة، مغلفة بالشقاق والتنابز والخلافات والعصبية المدمرة لأهم قيم المجتمع، لذلك فلابد للجميع من الوقوف لحظات فهم عميقة لاستيعاب الدروس التى جاءت على شكل 30 يونيو لتكون دعوة للتفكير والتكفير.
التحرير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة