على الرغم من وجود إجماع لدى النخبة، ولدى العاملين بقطاع الإعلام، فضلا عن قطاعات جماهيرية بضرورة إلغاء وزارة الإعلام، إلا أن القضية فى رأيى ليست أن نبقى أو نلغى الوزارة، ولكن القضية هنا هى قطاع الإعلام فى مصر ومستقبله، وهنا أجد أن هناك ثلاثة بدائل بالنسبة لتنظيم وإعادة هيكلة الإعلام الحكومى، وبديل واحد بالنسبة لتنظيم الإعلام المصرى ككل.
فبالنسبة لقطاع الإعلام الحكومى –الراهن-نجد أن متخذ القرار رئيس الوزراء هنا-أمامه ثلاثة بدائل هى:
البديل الأول: استمرار قيام وزير الإعلام بدوره وبنفس المهام لحين انتهاء الفترة الانتقالية، وحتى يأتى مجلس شعب يعيد النظر فى الإطار القانونى الحاكم لقطاع الإعلام بعامة، ولقطاع الإعلام الحكومى بصفة خاصة.
البديل الثانى: استمرار قيام وزير الإعلام بدوره وبنفس المهام مع تكليفه إلى جانب إدارة العمل اليومى للوزارة بمؤسساتها المختلفة بإدارة عملية التحول للإعلام المصرى من إعلام حكومى إلى إعلام يعمل بأسلوب الخدمة العامة، وعليه هنا تحمل تبعات عملية التغيير التشريعى وإعادة الهيكلة فى قطاع الإعلام الحكومى الذى يضم 8 مؤسسات صحفية، تضم حوالى 28 ألف إعلامى وإدارى وعامل، واتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى يضم حوالى 44 ألفا.
البديل الثالث: إلغاء وزارة الإعلام وإنشاء هيئة انتقالية أو مفوضية تنقل إليها كل أصول المؤسسات الإعلامية الحكومية (المؤسسات الصحفية القومية-اتحاد الإذاعة والتليفزيون-مدينة الإنتاج الإعلامى-الشركة المصرية للأقمار الصناعية-الهيئة العامة للاستعلامات) تقوم من خلال أمانة فنية من خبراء إعلاميين ومدراء واقتصاديين وقانونيين، بدراسة الجوانب الاقتصادية والإدارية –واضعة فى اعتبارها الحفاظ على حقوق ومصالح العاملين –وتتولى وضع الخطط الخاصة بإعادة الهيكلة من خلال تحويلها إلى مؤسسات تعمل بنظام الخدمة العامة Public Service على غرار النموذجين البريطانى والفرنسى، من خلال إنشاء هيئتين قوميتين للصحافة المطبوعة وللإذاعة والتليفزيون، وتدرس وضع الهيئة العامة للاستعلامات.
وتكون هذه الهيئة أو المفوضية الانتقالية بمثابة كيان تنفيذى مستقل يتولى إدارة وتنظيم ومتابعة أداء وسائل الإعلام المملوكة للدولة (المؤسسات الصحفية القومية، هيئة الإذاعة والتليفزيون، الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الاعلامى، الشركة المصرية للأقمار الصناعية-الهيئة العامة للاستعلامات)، والتى تدار بأسلوب الخدمات الإعلامية العامة، وتشمل مهامها تحديد نمط الملكية والتمويل لتلك الوسائل، وأساليب اختيار القيادات، والسياسات الإعلامية، والاقتصادية والإدارية، وتوجهات المحتوى، ونظم التشغيل والتدريب، والتنمية البشرية للعاملين، فى إطار من الاستقلالية والشفافية والإفصاح وضمان المساءلة والإدارة الرشيدة.
وعلى الهيئة المقترحة دراسة نمطى الملكية والتمويل واقتراح بدائل من بينها على سبيل المثال إنشاء شركات قابضة، تمليك العاملين 40% من أسهم تلك المؤسسات، و35% للدولة وطرح 25% للقطاع الخاص حتى نضمن ضخ تمويل فى شرايين تلك المؤسسات الإعلامية الحومية التى تجمد بعضها، وتعتمد منذ سنوات على دعم الدولة، الأمر الذى ييعب استمراره.
وهنا لابد من إعادة النظر فى الإطار التشريعى الحاكم من خلال عدة قوانين تشمل:
مراجعة قانون الصحافة الحالى وإصدار قانون جديد
مراجعة قانون نقابة الصحفيين وإصدار قانون جديد
مراجعة قانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون، واللوائح الخاصة بالبث الفضائى، وإصدار قانون موحد للبث المسموع والمرئى
إصدار قانون الإعلام والنشر الإلكترونى
إصدار قانون منع الاحتكار الإعلامى
تعديل قانون نقابة الصحفيين ولوائح مزاولة العمل الإعلامى
إضافة إلى إطلاق مدونات السلوك المهنى (أكواد أو مواثيق الشرف المهنيةCodes of conduct Ethics): التى يتم إعدادها والاتفاق عليها وإقرارها بواسطة الجماعة الإعلامية والإعلانية، وتتضمن:
مدونة السلوك الصحفى
مدونة سلوك للعاملين فى الإذاعة والتليفزيون
مدونة سلوك للعاملين فى الإعلام الإلكترونى
مدونة السلوك الإعلانى
تنظيم الإعلام المصرى: المجلس الوطنى للإعلام
وفى فى إطار مواز لما سبق وفى هذا السياق لابد من التفكير بواسطة لجان مستقلة ومحايدة من الإعلاميين والقانونيين وممثلى الرأى العام فى النظر إلى موضوع تنظيم الإعلامMedia Regulation المصرى ككل، بحيث يستطيع تحقيق مبادئ الاستقلال والمسئولية والشفافية والمساءلة والتعددية، ومنع الاحتكار والمهنية والالتزام بقيم المجتمع، وبالمعايير المهنية على الآليات أو الكيانات التنظيمية التالية:
من خلال إنشاء المجلس الوطنى للإعلام كهيئة مستقلة وطوعية تتولى الإشراف على منظومة الإعلام المصرى بأسلوب التنظيم المشترك Co-regulation، والذى يعنى الاشتراك فى تنظيم الإعلام بين كافة الأطراف الفاعلة فيه وهى: المؤسسات الإعلامية، المجتمع المدنى، الجمهور، الحكومة، فالمجلس الوطنى للإعلام، وفى إطار التجارب العالمية ينبغى أن يكون هيئة تنظيمية طوعية للإعلام Voluntary Regulatory Authorityهدفها تحقيق التوازن بين حقوق الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية فى الحصول على المعلومات ونشرها والتعليق عليها، وبين حق الجمهور فى النفاذ إلى وسائل الإعلام والحصول على إعلام يلتزم بالقيم والمعايير الأخلاقية المؤسسة على قيم المجتمع وأخلاقياته والمعايير المهنية والأخلاقية المتفق عليها عالميا، ويمكن تفصيل أهدافه فى سياق التجارب العالمية فى النقاط التالية:
1.دعم حرية الصحافة والإعلام والتى تتضمن حق الإعلاميين فى الحصول على المعلومات ونشرها، والتعليق عليها، وحق إصدار الصحف، وإطلاق الخدمات الإذاعية والتليفزيونية، وكذلك الإلكترونية على شبكة الإنترنت والهاتف المحمول بدون قيود
2.الحفاظ على حق المواطن فى النفاذ لوسائل الإعلام، وفى إعلام تعددى ومسئول وملتزم أخلاقيا ومهنيا
3.ضمان الإدارة الرشيدة (حوكمة وسائل الإعلام) من خلال تطبيق الشفافية والإفصاح والمساءلة الجماهيرية والكشف، وتصحيح الأخطاء
4.العمل على تطوير صناعة الإعلام تكنولوجيا واقتصاديا وإداريا
5.التطوير المستمر لأداء العاملين بالمؤسسات الإعلامية والإعلانية
6.تدعيم تنافسية وتعددية وسائل الإعلام ومواجهة أى أشكال للاحتكار وتركيز الملكية
7.حماية الملكية الفكرية للمصنفات الإعلامية وفقا للقوانين المحلية، وفى ضوء التزام مصر بالاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية
8.ترشيد الممارسات الإعلانية من خلال تحرى مدى التزامها بالمعايير الأخلاقية المنصوص عليها فى مواثيق الشرف الإعلانية
أما المهام والوظائف بشكل محدد فتتضمن:
1.القيام بعمليات التسجيل وإعطاء التراخيص أوالموافقات عبر الشركات المساهمة على إنشاء الخدمات الإذاعية والتليفزيونية والمواقع والخدمات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وكذلك الخدمات الإعلامية التى تقدم عبر الهاتف المحمول وفقا لما تحدده القوانين المنظمة لذلك.
2.إنشاء قاعدة بيانات عن المؤسسات الصحفية والإعلامية (العامة والحزبية والخاصة)، والوسائل الجديدة New Media، بحيث تتضمن معلومات محددة عن المؤسسين والشركاء والميزانية، والهياكل التنظيمية، والحسابات الختامية لها، وان تكون تلك البيانات متاحة للرأى العام تحقيقا لمبدأ الشفافية.
3.إقرار مدونات السلوك (مواثيق الشرف الاعلامى المعدة بواسطة الجماعة الإعلامية)لضمان تحقيق المعايير المهنية.
4.التحقيق فى أى شكاوى يتقدم بها الجمهور العادى، أو الهيئات الاعتبارية حول الممارسات الإعلامية وإصدار بيانات للرأى العام حولها، وإحالتها إلى المؤسسات الإعلامية، وكذلك النقابات أو الاتحادات المهنية ذات الصلة، لاتخاذ إجراءات محددة بشأنها.
5.رصد ومتابعة ملكية وسائل الإعلام والتصدى لأى نوع من أنواع الاحتكار بهدف تعزيز الملكية التنافسية لوسائل الاتصال لتحقيق التنوع والتعددية.
6.التأكد من تطبيق التشريع المنظم لتداول المعلومات فيما يتعلق بضمان حرية الإعلاميين وحقهم فى الحصول على المعلومات من مصادرها، والتعبير عن أرائهم بحرية ودون تدخل أو قيود مسبقة.
7.التأكد من ضمان حق الجمهور فى الحصول على إعلام حر ومسئول مهنيا وأخلاقيا، من خلال تفعيل ميثاق الشرف الإعلامى.
8.تمثيل مصر فى المحافل والملتقيات والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية بشئون الإعلام والاتصال.
9.إصدار تقرير سنوى عن أوضاع الإعلام المصرى، وتقارير دورية حول أى قضايا طارئة تستجد.
10.إجراء التجارب والدراسات والبحوث بالاشتراك مع النقابات المهنية والمؤسسات الأكاديمية والبحثية لتطوير صناعة الصحافة والإعلام.
11.تطوير نظم مستدامة للتنمية البشرية للعاملين فى الصحافة ووسائل الإعلام بالتعاون مع النقابات المهنية ذات الصلة والمؤسسات الإعلامية الأكاديمية والاستفادة من الخبرات الدولية فى هذا الصدد.
* أستاذ الصحافة ووكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة