نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، اليوم السبت، مقالا للكاتب زين العابدين الركابى تحت عنوان "تياران نقيضان يلتقيان على خرافة أن الإخوان هم الإسلام!!".
وفيما يلى نص المقال..
لم يعمّر الإخوان المسلمون فى حكم مصر.. ما هى إلا سنة واحدة فحسب حتى فقدوا السلطة والحكم فلماذا حدث الانهيار بهذه السرعة الصاعقة؟
من الخطأ المنهجى: أن يسارع الإخوان والمتعاطفون معهم: إلى تفسير ما حدث بـ"عوامل خارجية": مصرية أو دولية.
أولا: لأن العوامل الخارجية مهما تكاثرت واشتدت لا تقوض البنيان السليم الحصين: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا".. وليس فى هذا تهوين من الكيد الخارجي. وإنما فيه بالتوكيد التنويه بعظمة (البناء الذاتى) القائم على السنن الكونية بمفهومها الصحيح، والقائم – كذلك- على السنن الدينية بمفهومها الصحيح أيضا.
ثانيا: إن المنهج القويم فى تفسير الأحداث هو البدء بالبحث فى "أخطاء الذات" قبل المسارعة إلى تحميل الغير جرائر ما حدث.. والبرهان المبين على ذلك قوله جل ثناؤه: ((أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم)).. والآية نزلت عندما خالف بعض الرماة الذين يحمون ظهر الجيش المسلم فى معركة أحد أمر النبى، إذ وصّى النبى صلى الله عليه وآله وسلم الرماة بأن يلزموا مواقعهم أبدا، أى فى حالة النصر أو الانكسار. بيد أنه حين لمعت لمعة الغنائم فى عيون بعضهم غادروا أماكنهم متوجهين إلى حيث الغنائم.. هنالك انتهز خالد بن الوليد- وكان فارسا فى معسكر الشرك يومئذ- انتهز هذه الثغرة المتاحة فكرّ على المسلمين من وراء الجبل الذى كان يكمن خلفه.. وعندئذ انكسر الجيش المسلم، ووقعت المصيبة- حسب التعبير القرآنى -.. ونلحظ- ها هنا- أن ليس فى التفسير القرآنى للحدث أى إشارة إلى الغير كخالد بن الوليد.. ليس فيها أن خالدا كان عبقريا عسكريا، وأن من كان معه من المشركين كانوا على أعلى درجة من التأهيل القتالى، ولا أن خالد استخدم دهاءه ومكره وحيله فى هذه الجولة.. ليس فى التفسير القرآنى للحدث شيء من ذلك قط. بل تركز هذا التفسير على أن التبعة كلها تقع على الذات نفسها "قل هو من عند أنفسكم"، لذا، فإن على إخوان مصر أن يعترفوا بشجاعة بأنهم هم أنفسهم (علة) ما حدث لهم.
وأول الأخطاء عندهم أنهم (تعجلوا) القفز إلى الحكم.. والبدايات الخاطئة تقود – دوما- إلى نتائج خاطئة.. فليس من العقل، ولا من الرشد: المسارعة إلى تولى السلطة فى بلد يئط- لأسباب شتى- تحت إرث ثقيل من التخلف فى كل شىء تقريبا.. وعلة هذا الإرث الثقيل هو (تراكم الأخطاء والتقصيرات) خلال عقود عديدة.. وكانت النتيجة أنهم عجزوا عن معالجة هذه التراكمات فى أى حقل من الحقول، ومن ثم فقدوا السلطة بسبب هذا العجز، على حين أن هدى المنهج ساطع جدا فى قضية تحمل المسؤوليات: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)).. ((لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها)).. ((فاتقوا الله ما استطعتم)).. وفى الفقه أصل علمى واقعى عظيم وهو أن (الوجوب مشروط بالقدرة) فإذا انتفت القدرة ارتفع الواجب.
ولا نبرح نسأل: لماذا هذا التعجل؟ وما الدافع إلى ذلك؟
أ- هل الدافع نصيحة ماكرة من قوى كبرى- عبر سماسرتها- تعتقد أن هذا القفز العمودى (المؤقت) يخدم إستراتيجيتها العظمى على المدى البعيد. ومن ذلك – مثلا- توريط الإخوان فى مستنقع الحكم دون وجود أية مقومات معتبرة للنجاح الكامل أو النسبي.. ثم إسقاطهم من الحساب فى المستقبل بعد تجربة فاشلة مكروهة. وهل يدخل ذلك فى قاعدة (إذا أردت التخلص من حليف ما مؤقت فشجعه على ارتكاب الأخطاء القاتلة)!!
ب- هل الدافع إلى ذلك: حساب سياسى خاطئ لقوة المعارضة المصرية؟
ج- هل الدافع إلى ذلك تصور سقيم بأن الشعار الإسلامى – وحده- يكفى فى التأثير فى الشعب المصرى وجذبه إلى إطار حكم الإخوان؟
ذلك المحور الأول من المقال..
أما المحور الثانى فهو: إن فشل الإخوان فى إدارة الدولة المصرية سُحب على الإسلام نفسه.
والغريب أن التيارين المتناقضين فى مصر يعملان على توريط الإسلام فى هذا السجال السياسى العقيم والكريه، فالإخوان والمتعاطفون معهم يصورون الأمر وكأنه (هزيمة) للإسلام، وخفض صوته فى مصر!!
وهذا خطأ جسيم: يتجاوز السياسة إلى الاعتقاد.. نعم. إن الذى يعتقد أن تجريد فئة مسلمة من الحكم إنما هو انتقاص من الكتاب والسنة.. من يعتقد ذلك ففى عقيدته دخن أو زيغ من حيث جعل الإسلام يدور مع تلك الفئة وجودا وعدما.
إن الإسلام الحق منظومة حقائق وتعاليم ومبادئ باقية أبد الدهر لا يتعلق وجودها وإطراؤها فى الزمن بحياة أحد ولا بموته ولو كان هذا الأحد هو النبى نفسه صلى الله عليه وآله وسلم: حامل الرسالة ومبلغها.
فى أُحد أشاع المشركون بأن محمدا قد قتل، ولقد أحدثت هذه الشائعة هزة بين المسلمين.. هنالك تنزل الوحى بقول الله تعالى: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين)).
وهى ذات الآية التى وفق الله الصديق أبا بكر- رضى الله عنه- إلى تلاوتها حين مات النبى صلى الله عليه وآله وسلم على الحقيقة. وكان خبر الوفاة قد نزل على الصحابة نزول الصاعقة.
بتعبير عصرنا هذا نقول: إن (المؤسسة هى الأبقى).. ومؤسسة الإسلام العظمى هي: حقائقه وتعاليمه ومبادئه وقيمه.
فى الطرف الآخر المضاد: هناك من يدير المعركة ضد الإسلام ذاته: شرائعه وشعائره. من خلال اعتبار تجريد الإخوان من السلطة: هزيمة الإسلام.. مثلا. منذ قليل قال أحد خصوم الإخوان: يجب اجتثاث الإخوان من الجذور.. يجب – مثلا- إغلاق المساجد فى صلاة الفجر (ظنا منه أن الإخوان وحدهم هم الذين يصلون الفجر فى المساجد).
إن هذا الغلو السياسى الذى يربط بين الإسلام والإخوان ربطا مطلقا، بمعنى أن الإخوان هم الإسلام، وأن الإسلام هو الإخوان. هؤلاء كارهون للإسلام نفسه، وهم بغباوتهم هذه يخدمون الإخوان برفعهم فوق قدرهم، ومنحهم ما ليس لهم من التعظيم والقداسة.
يا من طال لسانه وقصر عقله: إن الإسلام وُجد قبل الإخوان، وسيبقى بعدهم. وهو محفوظ بحفظ الله له
ونختم بما ختمنا به مقال الأسبوع الماضى وهو: إن مصير مصر والمصريين مشروط ومرهون بوحدتهم وتصالحهم.. فالتاريخ يقول: إن مصر لم تستقر وتنهض وتنتصر يوما إلا وهى فى حالة وحدة ومصالحة وتآخٍ وحضور عقل وضمير يؤثران مصر على الحزبية والأهواء السياسية.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
اختزال الاسلام فى الاخوان خطأ كبير