خالد العسقلانى يكتب: السعادة والحزن فى الإسلام

السبت، 13 يوليو 2013 04:20 ص
خالد العسقلانى يكتب: السعادة والحزن فى الإسلام صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل الحزن من الإسلام؟
هل لا بد أن يكون المتدين حزينا مهموما مكتئبا؟
هل نتقرب إلى الله بالحزن؟
ذات مرّة كنت أفكر بالموضوع. . فأحيانا تكون حياة الإنسان هادئة طبيعية مستقرة ليس بها جديد سار يفرح الإنسان، وليس بها مصيبة فازعة تحزنه. .. فهل يعمل على أن يسعد؟ أم أنه من التدين والالتزام والوقار أن يكون حزينا؟ ؟

ذهبت إلى أحد مشايخنا وسألته ءأحزن أم أفرح؟
الأولى بالمسلم أن يحزن أم أن يفرح؟
أعتقد إنه قد ترجم سؤالى بطريقة خاطئة فقال لى كلاما مفاده أن "كلاهما مطلوب. . افرح لأملك فى الله –عز وجل-أن يغفر لك. . واحزن لارتكابك المعاصى. . اجعل خوفك قبل الذنب أكبر كى لا ترتكب المعصية، واجعل استبشارك بعد الذنب أكبر بالمغفرة والرحمة".

كلامٌ جميل. . لكن لم أقصد هذا. . هذا هو السلوك تجاه المعاصى والذنوب..
كنتُ أقصد، ولا زلت أفكر. .. فى الحزن والفرح كأسلوب حياة !
هل الأولى بالمسلم أن يعيش سعيدا؟ أم يعيش حزينا؟
كيف يريدنا الله أن نكون؟ فرحين؟ أم حزانى؟
هل الملتزم بالإسلام يكون سعيدا؟ أم مهموما؟

فكّرت وبحثت. .
فإليكم الآتى. . كبداية. . كلامٌ للإمام ابن القيم –رحمه الله- يعالج فيه هذه القضية. . والكلام من كتاب "طريق الهجرتين". . يقول:



"الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة: 10]، فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره،
والثواب عليه ثواب المصائب التى يبتلى العبد بها بغير اختياره، كالمرض والألم ونحوهما، وأما أن يكون عبادة مأْموراً بتحصيلها وطلبها فلا، ففرق بين ما يثاب عليه العبد من المأمورات، وما يثاب عليه من البليات.ولكن يُحمد فى الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن.. على تفريطه وتقصيره خدمة ربه وعبوديته، وأما أن يحزن على تورّطه فى مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته".


بضع كلمات لابن القيم تتطلب صفحات من التحليل. . لكن دعونى ألخص لكم بعض الأسباب لرفض الحزن فى الإسلام. . من كلام ابن القيم الذى سقته ، ومن غيره من الأدلة :

أولا: أعجب ما قال الإمام ابن القيم فيما اقتبسته "لا شئ أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن". . تخيل عزيزى الحائر أن أقصى ما يتمناه الشيطان هو أن يصيبك بالحزن والهم. .
ويقول الله -عزوجل- "إنماالنجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا". . المجادلة 10
والنجوى هو حديث بعض الناس سرا بعيدا عن أناس آخرين. . فيصيبهم ذلك بالحزن . . يخبرنا الله أن النجوى من الشيطان وغرضه منها: "ليُحزن الذين آمنوا". .. أى أن الشيطان من غاياته وأهدافه أن يجعل المسلم حزينا !


ثانيا: "الحزن يضعف القلب ويوهن العزم"، وهذه حقيقة فى عالم الطب. . الحزين وصاحب الاضطرابات النفسيةأقل قدرة على العطاء، وأقل قدرة على الحركة والنشاط، وأقل صحة، وأقل مناعة، وأكثر عرضةً للأمراض !
الحزين أقل ميولا للصلاة ،والعبادة ،والدراسة، والعمل. .
وينتج عنه الضرر. . وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:
"لا ضرر ولا ضرار".

ثالثا: يقول الإمام صراحةً أن الحزن ليس عبادة. . حيث يكون المسلم مأمورا بتحصيلها. . وإنما إذا وقع الحزن نتيجةابتلاء أو مصيبة أو نازلة، فإن ثواب المسلم يكون على الابتلاء. . لا على الحزن فى حد ذاته.

رابعا: فقد ثبت أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الهم والحَزَن !
فقد كان يقول: "اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل. .”. صحيح البخاري

وتفسير العلماء للهم والحَزَن..
الهمّ: المكروه المؤلم على القلب على أمر مستقبل يتوقعه.
الحزن: المكروه المؤلم على القلب على أمر قد مضى.
أيأن المسلم لا يحزن ولا يقلق على أمر يتوقع حدوثه، ولا أمر قد حدث. . بنص الحديث الشريف. .
وبكل تأكيد فإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لا يتعوذ إلا من الشر، ولا يطلب إلا الخير..


خامسا:يقول الله –عز وجل- :
"ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا" . ..طه 124

اقرأ تفسير ابن كثير فى تفسيرها:
من خالف أمرى وما أنزلته على رسولى فإن له معيشة ضنكا أى ضنك فى الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو فى قلق وحيرة وشك فلا يزال فى ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة.
انتهى كلام ابن كثير. .
وبكل تأكيد فالعكس صحيح.. فإن المسلم الموحد الذى يتقرب إلى الله فإن له جزاء معيشة سعيدة هنيئة مستبشرة.. مصدرها راحة القلب واستقراره ويقينه بوجود الإله الواحد الأحد. .. فالسعادة إذنمن نعم الله وعطائه، وراحة الصدر شئ يمن به الله على عباده الصالحين.

سادسا: لهؤلاء محترفى التشاؤم ومريديه..
أزف لكم من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم:
أنه قَال: "َ لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَوَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ". صحيح البخاري
قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: " الطيرة شرك " صحيح الألباني

يا سادتنا لقد نهانا الإسلام عن التشاؤم والتطير. . لابمكان، ولا بميعاد، ولا بملبس ، أو مأكل، ولا بأى شئ. . التشاؤم ليس له محلٌ من الإعراب فى الإسلام. .
وإنما التوكل، والتفاؤل.


سابعا: يقولالله -عز وجل-: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ". .. البقرة 268

الآية السابقة نزلت فى سياق الحث على الصدقة والزكاة . . وتفسيرها أن الشيطان هو من يعدك الفقر أى أنه يخوفك من الفقر ويقلقك. .. والله يعدك الرحمة والمغفرة والفضل والرزق الكبير. .
ويمكنك أن تقيس على ذلك إذن. ..فالشيطان هو الذى يخيفك من المستقبل، ويخيفك من زوال النعم، ويخيفك من كل شئ ويزرع بداخلك القلق والارتياب والشك والحزن والهم. . بينما من يتوكل على الله ويعتمد عليه ثم يأخذ بالأسباب فإن الله يعده الرزق والسعة والمغفرة والفضل.

وفى هذا السياق يقول الله –عزوجل- أيضا :
" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ". .. الأعراف 96


ثامنا: يقول النبى صلى الله عليه وسلم:
"تبسمك فى وجه أخيك صدقة". .. الترغيب والترهيب
وقال أيضا:"لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق". . رواه مسلم

فإن الإسلام قد جعل من ابتسامتك فى وجه أخيك صدقة لك بها أجر. .. ذلك لأن بابتسامتك ترسم سعادةً فى قلب أخيك. ..فسعادة المسلم إذن من غايات الإسلام. ..
وفى هذ االسياق قال النبى صلى الله عليه وسلم:
" أحب الأعمال إلى الله -عز وجل -سرور تدخله على مسلم ".

وغيرها الكثير من الأدلة من القرآن والسنة، وكلام الصالحين الأولين. .

والخلاصة: توكل على الله – سيدى الكريم-، واعتمد عليه، وثق به، واجعل أملك فيه كبير ،واعلم أن أمر المسلم كله خير. .
ثم خذ بالأسباب العلمية والعملية والمنطقية كلها. .
ثم اجعل سَمـتـَك السعادة، والبِشر، والأمل، والتفاؤل، والفرح. . وابتسم فى وجه الناس. . ولاتحزن. . ولا تيأس ولا تتطير ولا تتشاءم. . فإنما أقصى ما يطمح إليه الشيطان أنيراك حزينا يملؤك الوهن والضعف والهم. . أما الله فيحب أن يراك مستبشرا بفضله. .حامدا لنعمته. . تسأله وحده دفع الشر والسوء.

أما الحزن. .فمكانه فقط، وحله الوحيد: الحزن على ارتكاب الذنوب والمعاصى والندم عليها ،والحزن على التقصير فى العبادات والطاعات.
كان يقول دكتورنا مصطفى محمود –رحمه الله-:
"لا شئ أدعى للحزن من حزنك على ذنوبك".

عزيزى السائل والحائر لم يأتِ الإسلام ليقطّب جباهنا، والحزن ليس من التدين، والعبوس ليس من لوازم الوقار ،والمتدين ليس كئيبا، والملتزم ليس متجهما، والهم ليس شرفا، وإنما استعاذ الرسول–صلى الله عليه وسلم- منه. ..
الإسلام جاء ليسعد القلوب ،ويشرح الصدور ويستبدل بالمعيشة الضنك. . معيشة أخرى سعيدة هنيئة. . فى ظل الأخلاق والمبادئ. . ونور التوحيد.

" إن الله قد ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مروه

التفائل

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة