مصر التى فى خاطرى ليست مصر "المتطرفة"، ولا كل أولئك الانتهازيين، واللصوص، وقطاع التحضر، الذين خرجوا فجأة من حوارى المهمّشين وبياعى التديّن المغشوش، مصر التى أعرفها واستقرت فى وجدانى، ووجدان العالم كله، هى 7 آلاف عام من الحضارة والتمدّن.
هى مصر محمد على باشا، بانى حضارتها ومجدها الجديد، هى من علم الدنيا كلها، الزراعة، والرى، والقناطر، والسدود، والترع، هى المصانع، والمعامل، والتعليم الذى نشره والبعثات التى قادها.
هى تلك المدينة القاهرية العبقرية، التى نقلت تفاصيل أوربا، بحاناتها، وشوارعها، وطرازها المعمارى الفريد، لتحيلها إلى أجمل مدن الشرق.
هى القاهرة، بميادينها، وتماثيلها، وأهرامات جيزتها، بأبى الهول العظيم النائم على أطرافها، وكأنه عينها "الحارسة" التى لا تنام.
هى ميدان طلعت حرب، بقامته السامقة فى السماء، والبطل أحمد عبدالعزيز بتاريخه العظيم، هى الأسدان الرابضان فوق النيل، هى عبد الناصر وسده المهيب، هى السادات وعبوره نحو سيناء وكسر جيش العدو.
هى الشوارع النظيفة، التى كانت تغسل ذات يوم مع طلعات الصبح بالماء والصابون، تضللها روائح الفل وملكات الليل، هى الإسكندرية بمنارتها ومكتبتها، وشواطئها المعمورة.
هى جورج أبيض حينما بزغ الفن وأطلّ، هى مطبعة الشرق التى نشرت العلم المحفوظ فى الصدور، لتلتقطه العيون، هى سعد زغلول وصفية مصطفى باشا، هى أحمد شوقى، وإبراهيم ناجى، وطه حسين، والعقاد، ورفاعة الطهطاوى، والمنفلوطى، هى كل المعارك الأدبية التى أنضجت الإبداع وفجرته فى العقل العربى.
هى نوبل نجيب محفوظ، أو لعلها «أولاد حارتنا»، والمتحف المصرى، ودار الأوبرا، أو المعهد العالى للفنون والموسيقى.
مصر التى نعرفها، ونحب، ونعشق، ونتوله، ونستلهمها، هى أم كلثوم، وأسمهان، ونجيب الريحانى، وعبد السلام النابلسى، وتحية كاريوكا، وليلى مراد، وعبد الفتاح القصرى، وعادل إمام، ومنها خرج كل جميلات الشرق، نجلاء فتحى، وسعاد حسنى، وصباح لبنان، ووردة الجزائر.
هى موسيقى فريد الأطرش الساحرة، وألحان رياض السنباطى، والقصبجى العبقرية، إنها قصة عبد الحليم حافظ، وهو يغنى "بلدنا عالترعة بتغسل شعرها".
هى كل أبناء سورية، ولبنان، والعراق، والجزائر، وهجرات الحجاز، الذين عاشوا، وعملوا، فى فنونها، كمصريين، من دون أن يسألهم أحد من أين أنت ،ولماذا أتيت.
هى التكية المصرية، وكسوة الكعبة المشرفة طوال عقود، هى زغاريد النساء المصريات المؤمنات، وهن يقبلن على حرم مكة، أو عندما يرسلن أشواق المحبين، لمقام النبى فى مدينته المنورة الطاهرة.
هى خليط مصر المسلم، والقبطى، الذى لا يعرف قبيلة، ولا عنصرية، ولا " عشيرة، ولا جماعة " يفاخر بها غير مصريته.
هى مصر وسيناء، حيث تجلى "الله" لنبيه موسى، هى أرض الديانات وملجأ الأنبياء، هى هاجر، والعائلة المقدسة.
وهى الأزهر الشريف منارة العلم، ونورها المشع، الذى أسهم فى نشر الإسلام، فى كل أطراف الأرض، على مدى ألف عام، هى "مزامير داوود"، هى عبد الباسط عبد الصمد، ومحمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، والشيخ الحصرى، وغيرهم الكثير.
هى ليست الإخوان المسلمين، ولا السلفيين الجدد، ولا كل الجماعات المتشددة، التى سقطت فى غفلة من الزمن الطاهر على أرض مصر، هى المصريون "الأزهريون" ولا غير.
مصر ليست أولئك البُغضاء الذين أوقفوا المصريين فى الطرقات بمطاويهم، وبلطجيتهم تارة، وبغباء أفكارهم المستوردة وخطبهم الفوضوية تارة أخرى.
ولا أولئك الذين فقدوا مصريتهم، بملابسهم المستوردة، وثيابهم الأفغانية، ولبسهم القبيح، وتنكروا للأزهر الشريف.
الله يا مصر كم نفتقد نيلك، وحواريك العتيقة، وروائح الفل والياسمين، كم نشتاق لصباحاتك البكر، وأصوات البسطاء تشقُّ سماءك المعتّم «بشبّورتك الشهيرة»، بآهاتهم وأحلامهم.
لا شك أنك الآن فى غسق الدجى، تتأهبين للنهوض من جديد، لا شك عندى ولا للمحة بصر، أن الظاهر بيبرس، وشجرة الدر، والفراعنة، والمماليك، وكل من رقد فى ثراك الطاهر، تهيم أرواحهم فى سمائك، تستنهضك، لتقودى حضارتنا، وفننا وموسيقانا من جديد، كما كنت دائماً وأبداً يا قاهرة المعز.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو
الله عليك
ابكيتنى وهزنى كلامك هذه هى فعلا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
إبراهيم
الله على كلامك الحلو.
عدد الردود 0
بواسطة:
سعودي رويان من النيل
الله عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
خيرى و رشاد و بدوى ...
معاك حق ,,,
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو عبدالله
شكرًا لك
والله وحشتينا يامصر
عدد الردود 0
بواسطة:
هشـــــــــــام النــــــادى
إنها بلدكم
عدد الردود 0
بواسطة:
مصيلحى
شكرا
شكرا لك
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو فهد | الكويت
وحشتيناا يامصر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو محمد السعوديه
عظيمه يا مصر
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو محمد السعوديه
بلد العظمة