كان من الضرورى والمنطقى أيضاً أن يتصدر شباب مصر المشهد السياسى بعد ثورة يناير، وذلك انطلاقاً من أنهم أصحاب الثورة الحقيقيين، وأنهم جبل اختلف تماماً عن أجيال سبقت أدمنت الخوف واسترحت مع نظم استبداد طالت.. إلا أن الذى حدث غير ذلك فقد قفزت أجيال أخرى انتهى عمرها الافتراضى، واستولت على الثورة وتصدرت المشهد تارة بالجموع الحاشدة وتارة أخرى بحكم الخبرة والتاريخ..
وخرج شباب مصر من تجربته الأولى مع الثورة مكسور الجناح محبط الإرادة بل إن البعض منهم وجدوا أنفسهم خلف قضبان السجون رغم أنهم كانوا الأجدر والأحق بكراسى السلطة.
وحتى يتأكد للجميع أن الشباب هم الثوار الحقيقيون وأن عواجيز الفرح الذين استولوا على السلطة ليسوا أصحاب حق فيها قام الشباب بثورة ثانية فى أقل من عامين ليؤكدوا أنهم جيل مختلف فى الرؤى والأفكار وأساليب التعامل مع العصر.
نحن الآن على أبواب مرحلة جديدة تؤكد أن أصحاب الحق فى المشهد السياسى هم الشباب ولن نضيع منهم الفرصة هذه المرة فقد استوعبوا الدرس وتعلموا من أخطائهم، والدليل أن كل ما طالبوا به فى الفترة الانتقالية قد تحقق ابتداء باختيار رئيس مؤقت للدولة وانتهاء بالإعلان الدستورى الجديد.
كان شباب مصر قد نجح فى الإطاحة بنظام حكم مستبد فى ثورة يناير فقد نجح أيضاً فى إسقاط نظام حكم فاشل فى ثورة يونيو، وما بين الثورتين تخلصت مصر لأول مرة فى تاريخها من الحزب الوطنى المنحل وجماعة "الإخوان المسلمين" وهما أكبر القوى السياسية فى مصر طوال خمسين عاماً.. لم يكن أحد يتصور مهما جنح به الخيال أن يسقط الحزب الوطنى بكل رموزه وكل معاقل الفساد التى قام عليها وأن تختفى رموزه أمام حشود الشباب التى خرجت يوم 25 يناير 2011 لتضع نهاية لحزب ترهل ونظام سياسى تخلى عن مسئولياته..
وبعد أقل من عامين خرج حشد آخر من الشباب ليرفع يده محتجاً على سلطة "الإخوان المسلمين" التى عجزت عن تحقيق أحلام شعبها ودخلت به فى دائرة من الانقسامات البغيضة انتهت بنا جميعاً إلى مسلسل من الدما.. نسأل الله أن ينقذنا منه.
نجح شباب مصر فى أن يزيد عن وجه الكنانة تاريخاً طويلاً من الاستبداد والفشل وغياب المسئولية.. وإذا كان الشباب قد اسقطوا رئيسين فى عامين فإن الأخطر من سقوط الرؤوساء هو سقوط الأفكار والبرامج والتجارب الخاطئة التى قام عليها المناخ السياسى فى مصر وهما الحزب الوطنى والإخوان.
منذ سنوات كتبت مقالاً ساخراً قلت فيه كيف تكون الحياة فى مصر لو أننا صحونا ذات يوم ولم نجد بيننا الحزب الوطنى وجماعة "الإخوان المسلمين"؟! ويومها غضب منى رمز الاتجاهين وتلقيت عتاباً من الوطنى والإخوان لأن كليهما يرفض أن يقارن أو يشبه بالآخر.
استطاع شباب مصر أن يؤكد أنه فى حاجة إلى مناخ سياسى جديد، وأن التجارب السابقة إذا لم تكن قد فشلت فلا شك أنها لم تحقق أهداف وأحلام الشعب المصرى بل أنها كانت سبباً فى حالة الانهيار والتراجع التى أصابت كل شىء فى ربوع هذا الوطن.
إن أخطر ما فى تجربة الوطنى والإخوان أن كليهما تأثر بالآخر فى طريقة التفكير والأداء، ولذلك لقى كل منهما نفس النهاية وأن اختلفت فى بعض التفاصيل.. لم يكن الفارق كبيراً فى طريقة التفكير وأسلوب العمل فقد قامت على مبدأ الإقصاء وأهل الثقة وأهل الخبرة.. وكان ينبغى أن تستوعب تجربة الإخوان فى الحكم ما حدث مع الحزب الوطنى من حيث الأخطاء والتهميش والسعى إلى تقسيم المجتمع بين من ملكوا كل شىء ومن خسروا كل شىء.
على جانب آخر فإن الإخوان حين وصلوا إلى السلطة لم يكن لديهم برنامج واضح لبناء مصر الثورة وساروا فى نفس الطريق الذى سار عليه الحزب الوطنى فى سياسة الاقتراض والديون والزواج الباطل بين السلطة ورأس المال وهو مرض خطير لم تبرأ منه تجربة الإخوان فى الحكم.
كان الفارق الوحيد بين تجربة الوطنى والإخوان أن الوطنى بقى فى الحكم سنوات طويلة واستطاع أن يبنى منظومة من أصحاب المصالح ومواكب الفساد أمسكت بكل مؤسسات الدولة ولم يستطع الإخوان التخلص من هذه التركيبة الخطيرة، وبدلاً من أن يسقطوها أسهمت فى إسقاطهم بسبب أخطائهم وثقلة تجاربهم وغياب الكوادر والخبرات لديهم.
تستطيع مصر الآن أن تستنشق هواء نقياً بلا وطنى ولا إخوان إلا أننى هنا أريد أن أؤكد على أكثر من جانب.
أولاً: إذا كان الوطنى المنحل قد صور للمصريين أنه يمثل الوطنية.. وإذا كان الإخوان قد صوروا للبسطاء أنهم الذين فلا الوطنى كان الوطنية ولا الإخوان كانوا الدين لأننا فى الحقيقة كنا أمام مستنقع سياسى بغيض استخدمت فيه كل الأطراف أسوأ أساليب الصراع ابتداء برفض الحوار وانتهاء بتقسيم المجتمع إلى أهل الثقة وأهل الخبرة والوطنيين وغير الوطنيين والمؤمنين والكفار.. يجب أن تبقى الوطنية خلف حصونها النبيلة ويبقى الدين خلف مقدساته الجليلة وعلينا أن نؤمن بأننا جميعاً وطنيون ومؤمنون وليس من حق أحد مهما كان أن يوزع علينا صكوك الوطنية أو أوسمة الإيمان.
ثانياً: أخطأ الوطنى حين تصور أنه حزب القادرين والأثرياء ورجال الأعمال وترك بقية الشعب للفقر والحاجة.
ولهذا لم يبك عليه أحد.. وهو نفس الخطأ الذى وقعت فيه جماعة "الإخوان المسلمين" حين تركت قوى الإسلام المتطرف تتصدر المشهد السياسى وتصب المصريين بحالة من الخوف والفزع أمام اتهامات بالكفر والقتل والسلح، وتخلت الجماعة عن أهم مقوماتها الفكرية وهى الوسطية وتركت المشهد كاملاً لأشخاص كان لهم تاريخ دموى طويل مع المصريين منذ سنوات ليست بعيدة.. يضاف لذلك إذا كان هناك عدد من الأشخاص كانوا سببا فى سقوط الحزب الوطنى ابتداء بالانتخابات المزيفة وانتهاء بنهب المال العام، فإن التجربة نفسها تكررت فى حكم "الإخوان المسلمين" فقد أساء عدد من الأشخاص بسلوكياتهم وتصريحاتهم وتهورهم إلى تجربة الإخوان والأسماء هنا وهناك معروفة فقد تكررت الأخطاء ما بين العهدين.
ثالثاً: حين سقط الحزب الوطنى كان يحمل تاريخاً طويلاً من الأخطاء فى تجارب سابقة وكان يطارده تاريخ طويل فى القمع والاستبداد لم يتخلص منه وتجارب سياسية فاشلة مع الاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى وحزب مصر وهذه التركة الثقيلة التى لم تجعله يوماً حزباً سياسياً حقيقياً.. وللأسف الشديد فإن الإخوان المسلمين حين وصلوا إلى السلطة ووجدوا أنفسهم على رأس أكبر دولة عربية وأعظم مركز ثقافى ودينى لم يتخلصوا من أمراضهم وعقدهم القديمة بل أنهم فيما يبدوا قد حملوا الكثير من أمراض نظم سابقة فى عدم القدرة على قبول الآخر والسعى لتهميش جميع قوى المعارضة.
وقبل هذا كله الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد أمام رغبة جامحة فى تصفية الحسابات ليس مع الواقع فقط، ولكن مع التاريخ وتقسيم فئات المجتمع على أساس إذا لم تكن معى فأنت ضدى وهذا فكر مريض سيطر على العقل المصرى زمناً طويلاً.
نستطيع الآن أن نفتح صدورنا لنستقبل هواء نقياً بلا وطنى ولا إخوان وعلى شباب مصر أن يبدأ رحلة جديدة لبناء هذا الوطن متخلصاً من كل رواسب الماضى القبيح.
أعلم أن فى الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية مجموعات واعدة من شباب جمع الوطنى والتدين فى سياق واحد، وقد تابعت من بعيد مؤتمرات كانوا يعقدونها والتقيت بالكثيرين منهم ووجدت فيهم فكراً متفتحاً متحرراً يجيد الحوار ويؤمن بالرأى الآخر، ويقدر الاختلاف وعلى هؤلاء الشباب أن يتخصلوا من ميراث الآباء فقد كان ميراً ثيلاً مرهقاً للاثنين معاً الآباء والأبناء وعلى هؤلاء الشباب أن يفتحوا صفحة جديدة مع إخوانهم رفاق السلاح والميدان فى الثورة الأولى والثانية وعليهم أن يدركوا أن هذا الوطن لابد أن يتسع للجميع ولن يكون أبداً لفصيل واحد مهما كانت حشوده وأن يدرك الجميع أننا نحب وطننا ونؤمن بديننا، وأن الانقسام الذى نعيشه الآن أكبر جريمة فى حق المستقبل.
أطالب شباب الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية بأن يدخلوا العملية السياسية تحت راية الوطن لأن الخلافات بين الإسلاميين أنفسهم أكبر بكثير من خلافاتهم مع التيارات والقوى السياسية الأخرى من المسيحيين، والليبراليين، والعلمانى.
على قوى الشباب فى التيارات الأخرى التى تسمى نفسها الليبرالية أو المدنية أن تفتح صدورها لشباب الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية الأخرى وأن يبدأ الجميع حواراً حول مستقبل هذا الوطن لأنهم أصحابه شاء البعض أم رفضوا.
إن هذا الجيل الذى قام بثورتين فى أقل من ثلاث سنوات أطاح فيهما بأهم القوى السياسية فى هذا الوطنى قادر على أن يتحمل المسئولية بعيداً عن التقسيمات الدينية والمذهبية ودعاة التكفير والإيمان أو احتكار الوطنية يجب أن يكون الخلاف خلاف فكر ومواقف وليس صراع أديان وعقائد.. عندى يقين بأن الجيل الجديد من كل أطياف مصر سوف يحمل الراية وسيكون قادراً على بناء مصر التى حلمنا بها يوماً.. رعاكم الله.. ووحد كلمتكم وسدد على طريق الخير والهدى خطاكم.. وعاشت مصر الحرة الأبية.
.. ويبقى الشعر
لا تنتظر أحداً
فلن يأتى أحد
لم يبق شىء غير صوت الريح
والسيف الكسيح
ووجه حلم يرتعد
الفارس المخدوع ألقى تاجه
وسط الرياح وعاد يجرى خائفاً
والناس بالقلب الكسير قد استبد
صور على الجدران ترصدها العيون
وكلما اقتربت تطل ويبتعد
قد عاد يذكر وجهه
والعزم فى عينيه
والأمجاد بين يديه
والتاريخ ف صمت سجد
الفارس المخدوع فى ليل الشتاء
يدور مذعوراً يفتش عن سند
يسرى الصقيع على وجوه الناس
تثبت وحشة فى القلب
يفزع كل شىء فى الجسد
فى ليلة شتوية الأشباح
عاد الفارس المخدوع منكسراً
يجر جواده
جثث الليالى حوله
غير الندامة ما حصد
ترك الخيول تفر من فرسانها
كانت خيولك ذات يوم
كالنجوم بلا عدد
أسرفت فى البيع الرخيص
وجئت ترجوا من أعاديك المدد
باعوك فى هذا المزاد
فكيف تسمع زيف جلاد وعد؟!
لفارس المخدوع القى رأسه فوق
الجدار
وكل شىء فى جوانح همد
هربت خيولك من صقيع اليأس
فالشطان حاصرها الزبد
لا شىء للفرسان يبقى
حين تنكسر الخيول
سوى البريق المرتعد
وعلى امتداد الأفق تنتحب المآذن
والكنائس والقباب
وصوت مسجون سجد
هذى الخيول ترهلت
ومواكب الفرسان ينقصها
مع الطهر الجلد
هذا الزمان تعقبت فيه الرؤوس
وكل شىء فى ضمائرها فسد إن كان هذا العصر
قد قطع الأيادى والرقاب
فكيف تأمن سخط بركان خمد
هدى الخيول العاجزة
لن تستطيع الركض فى قمم الجبال
وكل ما فى الأفق أمطار ورعد
ماذا سيبقى للجواد إذا تهاوى
غير أن يرتاح فى كفن ولحد
الفارس المكسور ينظر
والسماء تطل فى غضب
وبين دموعها
تخبو مواثيق وعهد
خدعوك فى هذا المزاد
ظننت أن السم شهد
قتلوك فى الأمس القريب
فكيف تسأل قاتليك
بأن تموت بجبل ود
قد كنت يوماً لا ترى للحلم جداً أى حد
والآن حاصرك المرابى
فى المزاد بألف وعد
هذا المرابى
سوف نخلف كل يوم ألف وعد
لا تجرنى أم المدائن لا تخفى
سوف يولد من رماد اليوم غد
فغدا ستبت بين أطلال الحطام
ظلال بستان وورد
وغداً سيخرج من لطى هذا الركام
صهيل فرسان ومجد
الفارس المكسور
ينتظر الناية فى جلد
عينان رائغتان..
وجه شاحب
وبريق حلم فى ماقيه جمد
لا تنتظر أحد فلن يأتى أحد
فالآن حاصرك الجليد إلى الأبد
فاروق جويدة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
إبراهيم أبو زهرة
قربت أصدق !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
هدى عبد الفتاح
لااؤمن بثورةيناير بل هى مؤامرة وفوضى خلاقة وماحدث بعد ذلك هواستعادة ماضاع ومنها مواطن مصرى
عدد الردود 0
بواسطة:
عماد
تسلم ايدك
عدد الردود 0
بواسطة:
عبداللطيف.عبدالدايم
اعجبنى من القصيدة ما اعدت صياغته