لشهر رمضان ثقافته الخاصة فى وجدان المصريين، فهم يعتبرونه شهر اليمن والبركات والبهجة، وأبدعوا على مدار التاريخ فى المظاهر الاحتفالية بالشهر الفضيل، وفى ظل ما تشهده مصر هذا العام تلقى الأحداث السياسية بظلالها على رمضان، وهو ما أدى إلى أن البعض رأى أن مظاهر البهجة أخذت فى التراجع كأسهم البورصة على سبيل المثال، إلا أن طرفًا آخر يصر على مواصلة الفرح والاحتفال إلى أن تهدأ وتستقر الأوضاع على الجميع فى مصر الآمنة دومًا، ويرى آخرون أن المصريين كانوا وسيظلون "سارقى الفرح" كما يقول الكاتب الكبير الراحل خيرى شلبى رغم كل الظلال السياسية الكئيبة.
الفنان التشكيلى عز الدين نجيب قال فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إن هذه الظلال التى تفرض نفسها على الشعب المصرى كله، وبالتالى على ثقافته فى رمضان ربما تجعله أقل شعورًا بالبهجة التى كانت تسود فى السابق، فمازال أثر الألم من سقوط الشهداء ودمائهم وحزن أمهاتهم قائمًا، وارتباط الأحداث بمناسبات دينية كشهر رمضان الذى هو فى وجدان المصريين رمز للتسامح والمحبة والتآخى سيجعل الذائقة المصرية التى اعتادت على الاحتفال الإيجابى بالحياة تفرض نفسها على هذا المشهد الذى يفقد الكثير من ألوانه هذا العام.
وأوضح "نجيب" أنه ربما يستغرق الأمر بعض الأيام فى بداية الشهر حتى يستعيد الشارع المصرى رونق الشهر الكريم، ويستأنف احتفالاته المعتادة بالسهر والغناء ولعب الأطفال بالفوانيس وتعليق الزينات وصنع الكحك، وحتى برغم الأزمة الاقتصادية التى هى السبب الرئيسى فى تراجع الاحتفالات، ستعود مظاهر البهجة، فالشعب المصرى اعتاد على مدار تاريخه على كثير من الأحداث الوطنية الجسيمة التى مرت به خلال رمضان مثل حرب 1973 التى واكبت شهر رمضان، ومع ذلك لم تمنعه المعركة من احتفاله برمضان، مشيرًا إلى أن التاريخ القديم يحدثنا فى كتب المؤرخين عن مظاهر الاحتفالات الكبرى حتى ظل الاحتلال التى مرت من هنا، فإن الشعب استعار من ثقافات الغزاة ما يتفاعل مع طبيعته المحبة للحياة.
ويرى عز الدين نجيب أن ما نشهده الآن أزمة عارضة وستزول عندما يسترد الشعب إحساسه بالتعافى من آثار الأحداث السياسية الماضية، ويستعيد ثقته بكل فصائله، ويعيد ترتيب أوضاعه ويسارع بالمصالحة الوطنية التى عاش طوال تاريخه وهو ينعم بها.
ويؤكد "نجيب" على أن ملامح هوية المصريين لا تتغير بالأحداث العارضة، فالتغيير الثقافى يحتاج لعشرات السنيين، ولست خائفا على هوية هذا الشعب، وواثق أنه سيسترد عافية البهجة تدريجيًا مع استقرار الأمور.
ويؤكد المخرج داوود عبد السيد الذى أخرج فيلم "سارق الفرح" عن قصة قصيرة للأديب الراحل خيرى شلبى عبر فيها عن قدرة المصريين على اقتناص لحظات الفرح من لا شيء، أو من قلب أوضاع غاية فى السوء، يؤكد أن هذه الأوضاع ستمر ولن تغير المصريين أو قدرتهم على الابتهاج بشهر رمضان، قد يحدث تأثير مؤقت، لكنه سيمر، فالمصريون شعب عريق ومظاهر احتفالاته تعود لمراحل تاريخية قديمة، ومهما حدث من الصعب أن يتغيروا فى ظل عقدين أو ثلاثة، فحتى الآن الوجدان المصرى يواصل بعض احتفالات الفراعنة، ومازالت فى جيناته الكثير من تأثيرات كل الذين أتوا إليه، واستقروا لسنوات، وهذا العام تشهد البرامج والمسلسلات التليفزيونية مقاومة للإخوان، وكذلك البرامج الكوميدية تسخر من المتشددين، فجوهر هذا الشعب من الصعب خدشه بسهولة، ستستمر مظاهر الاحتفال برمضان، لكن ستكتمل فرحة الناس عندما تتحقق أهداف الثورة الموجودة فى شعارهم "عيش وحرية وعدالة اجتماعية"، فالشعب وقتها سيخلق أفراحه، ويهرب من أحزانه، حينما يكون على الطريق الصحيح للثورة ستعود الاحتفالات، وستكون أجمل ولن يكون فيها تحرش أو عنف بل ستكون أرقى، لأن المجتمع سيكون تعافى من أمراضه، وسيظهر معدن المصريين المشرق الجميل وقتها.
وأكد عبد السيد على ضرورة التفاؤل، لأن ما نراه من مقاومة يؤكد أن المصريين عاقدون النية على النصر والخروج من هذه الكبوة، وجماعة الإخوان لابد أن تتغير من داخلها، وإلا ستكون كيانا متخلفا وغير قابل للنمو، وأعتقد أن الهزيمة الشعبية التى لحقت بهم ستجبرهم على ذلك، وإلا سيظل الشعب يقاومهم، فهذا الشعب لديه حيوية شديدة تفوق الأوعية السياسية المتنازعة.
ويؤكد الفنان التشكيلى محمد عبلة أن الطبيعة المصرية لا يستطيع أحد تغييرها، فالمصريون شعب مرح، ويحب النكتة والبهجة والسعادة، ولا أحد يستطيع تغييره، وما يهدد هذه البهجة ليس هو التيارات الدينية، إنما الأحوال الاقتصادية التى ستطول نتائجها الجميع بما فيهم "الغاويين عكننة"، لكن بشكل عام المصريون لديهم قدرة عالية على المقاومة، ويستطيعون أن يسعدوا أنفسهم بأقل القليل، ويتجلى ذلك فى الموالد والاحتفاليات الشعبية، ويضيف عبلة أن المصريين الآن يعرفون ما هو الإسلام، وما هى التجارة بالإسلام، وأصبحوا أكثر وعيا، ولن يستطيع أحد الضحك عليهم، ولهذا فأنا لست متخوفا على ثقافة البهجة، لكن متخوف على فكرة الثقافة نفسها، فهى ليست مواسم، وإنما بناء مستمر ومتواصل، والعاميان الماضيان عطلا التراكم الثقافى للمصريين، وفى نفس الوقت أفرزا أشكالا ثقافية جديدة تجلت فى فرق الشارع والجرافيتى، وعموما فالتراكم الثقافى يتجه الآن اتجاها إيجابيا على يد الأجيال الجديدة التى دخلت للعملية الإبداعية، فهذا الشعب قوى، ولا يمكن هزيمته ثقافيا بسهولة.