هناك أمور مضحكات وأخرى مبكيات، وبينهما أمور مضحكات مبكيات. وهناك ضحك من فرط كوميديا الموقف يجعلك تستلقى على قفاك رغماً عنك، بل وقد يصل بك إلى حد الإغماء. وهناك بكاء القهر الذى يجعلك تتقيأ دماء، ومن فرطه يختلط هدير الدمع بهستيريا الضحك. ضرب من الكوميديا حالكة السواد التى تختلط معها الدموع بالضحك بحيث تفتقد القدرة على التمييز بين ما إذا كان المرء يبكى أم افقده الضحك الوقار. أقول ذلك بمناسبة موقفين متشابهين إلى حد التطابق، أحدهما جرت وقائعه فى فيلم الكيت كات، والكيت كات حى من أحياء إمبابة، والثانى جرت وقائعه فى القصر الجمهورى. فى الموقف الأول: جلس الشيخ الضرير " حسنى " فى المأتم، وفور انتهاء القارئ من تلاوة القرآن الكريم، استغرق الشيخ حسنى فى الحديث مع استغراق عامل الميكرفون فى النوم دون إغلاق الماكينة. وجعل الشيخ حسنى يفيض فى الحديث عن الأسرار التى يمتنع تناولها فى العلن بطبيعتها، والتى نالت من أعراض بعض الناس. وفى الموقف الثانى: تفاجأ الشعب المصرى والعالم أجمع فى سابقة لم تحدث فى تاريخ العالم من قبل ــ مسجلين سبقاً فى هذا المجال الحيوى ــ بإذاعة اجتماع بطبيعة موضوعاته غاية فى السرية لأنه يناقش إستراتيجية مواجهة دولة دخلت مع مصر فى صراع يمثل صراعاً وجودياً بامتياز. إذ أن نكسة النيل تفوق فى نتائجها وآثارها نكسة يونيو 1967 م بمراحل. فى الموقف الأول قد تلتمس للشيخ حسنى الأعذار باعتباره ضريراً يعتقد أن كلامه يقتصر على جلسة خاصة فأباح بما تعتمل به نفسه من أسرار على سبيل التسلية وتزجية الوقت كعادة أهل مصر فى هذه المناسبات، وكلامه قد يلحق الضرر ببعض الأفراد. ولا أدرى ما العذر الذى قد تلتمسه لمؤسسة الرئاسة فى الموقف الثانى. فى الموقف الأول لا ريب أنك ستدرك فى النهاية أنه مجرد فيلم جرت وقائعه على الشاشة الفضية وقد تمتعت بمشاهدته دون ضر أو ضرار. وفى الموقف الثانى ستدرك وتُصعق من هول الصدمة لأن ما جرى لا يعدو أن يكون عبثاً عدمياً تجرى وقائعه على مسارح اللامعقول سيأخذه العالم على محمل الجد. وإذا حدث ـ وقد حدث ـ سنصبح أضحوكة العالم. إن أصغر موظف فى الجهاز الإدارى للدولة المصرية يدرك قواعد الإعداد لأى اجتماع على أى مستوى، ويدرك أن ما يدور فى الاجتماع من مناقشات لها درجة من درجات السرية حتى تخرج فى صورة قرارات نهائية. أما أن تناقش موضوعات على مستوى يمس الأمن القومى المصرى ويتناول إستراتيجيات مواجهة مع دول أخرى، فلا يتعين أن تخرج عن أفراد فريق إدارة الأزمة وهو هنا مجلس الدفاع الوطنى، والاستجابة لمطلب الشفافية لا يعنى التجرد الكامل من الملابس فيصبح المرء عرياناً حتى فى مواضع العفة منه. فهذه ليست شفافية. ولا يتعين تعلية مصلحة التلميع الإعلامى على مصلحة الوطن لأنها تساوى رغبة الشيخ حسنى فى قيادة دراجة نارية وانتهت به رغبته إلى الدخول فى أقفاص الدجاج مرة، والغرق فى النيل مرة أخرى.
القصر الجمهورى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة