محمد انيس

الاختبار التركى

السبت، 08 يونيو 2013 11:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"حينما يستطيعوا أن يجمعوا مائه ألف، أنا سأستطيع أن أجمع مليون"، إذا لم تتأكد من وسيلة إعلام موثوق بها أن ذلك التصريح صدر عن رجب طيب أردوجان بعد يومين من الاحتجاجات العنيفة، فربما سترجح على الفور أن ذلك إحدى التصريحات التى أطلقها الإخوان فى وجوهنا عبر العشرات من المتحدثين باسمهم.

تحت راية حزب العدالة والتنمية التركى وبزعامة أردوجان تمكنت تركيا من صناعة معجزة اقتصادية فى الفترة ما بين ٢٠٠٢ إلى ٢٠١١، حيث تم مضاعفة حجم الاقتصاد التركى ثلاثة مرات بمعدل نمو سنوى متواصل بلغ ٨٪ سنوياً، مما دفع بتركيا إلى عضوية مجموعة العشرين للدول الصناعية الكبرى.

وبذلك أصبح لأول مرة فى تاريخ تركيا غالبية المجتمع - أى ما يزيد عن ٥٠٪- من الطبقة المتوسطة بالمعايير الأوروبية.

على مدار الأسبوع المنصرم اندلعت احتجاجات بدأت فى ميدان تقسيم بإسطنبول عبر مجموعة رافضة لخطط عمرانية تغير معالم الميدان، لكن سريعا انضم عشرات الآلاف إلى المحتجين حينما بدأت الشرطة بالتعامل العنيف مع المحتجين، مما أدى إلى انتقال الاحتجاجات إلى العديد من المدن الأخرى ضمت العاصمة أنقرة.

هذا التحرك العفوى لفئة واسعة من عموم الناس والتحول إلى شعارات سياسية يوحى ويؤكد أن هناك تحت السطح ما هو أهم وأكبر من مجرد قطع أشجار منتزه ميدان التقسيم وبناء مركز تجارى يحمل طابع يذكر الأتراك بتواجد قلعة عسكرية عثمانية فى ذلك المكان قديماً.

على مدار العقد الماضى وخطوة بعد خطوة، تمكنت تركيا من بناء سمعتها كبلد مستقر فى منطقة غير مستقرة، تتمتع بقدرات عسكرية ضخمة ونظام ديمقراطى مستقر نسبيا، نفوذ ثقافى على محيطها العربى، نجاح اقتصادى متواصل وصولا إلى طبقة متوسطة مسيطرة فى المجتمع.

كل تلك نقاط القوة الفريدة مكنت تركيا من أن تصل إلى مستوى الشريك الند للولايات المتحدة وليس التابع لها على طول الخط، يتضح ذلك فى تباين مواقف تعامل تركيا أردوجان مع حماس وإسرائيل والعراق وسوريا وإيران وروسيا.

لكن على ما يبدو ورغم تراكم عوائد النمو الاقتصادى فقد تراكمت داخل صدور العديد من الأتراك حالة متزايدة من الضيق بسبب سيطرة أردوجان ورجاله على مفاصل النظام السياسى التركى، أكاديميا عادتا ما يوصف أردوجان على أنه من المنتمين إلى المدرسة البدائية فى الديمقراطية المسماة "ديمقراطية الأغلبية"، فهو من المناصرين اعتقادا وتطبيقا لمبدأ حينما تحصل على أغلبية الأصوات فمن حقك أن تتخذ كافة القرارات السياسية منفردا، كبيرة كانت أو صغيرة مع تجاهل أى أصوات للمعارضة وإن صحت.

يضاف إلى ذلك استمرار التضييق على أنشطة المجتمع المدنى وصولاً إلى الإغلاق والمنع أحيانا.

فى مشهد أبعد ما يكون عن الممارسات المتحضرة لشرطة الدول الديمقراطية، هاجمت الشرطة التركية المحتجين داخل المنتزه محاولة إخلائهم بالقوة والعنف الشديدين، يضاف إلى ذلك استمرار العديد من الممارسات اللا إنسانية للشرطة التركية بعيدا عن الأزمة الراهنة، مع استمرار التصاق الشرطة بشكل السلطة الحاكمة وما تطلبه منها.

مازالت تعقد المحاكم الخاصة ويساق إليها الصحفيين وغيرهم ليزج بهم إلى السجون، مع محاولات دؤوبة ومستمرة للسيطرة السياسية على وسائل الإعلام.

على مدار سنوات حكم حزب العدالة والتنمية استمر المزج ما بين النظام السياسى وبيروقراطية الدولة، فأصبحت مسيطراً عليها من رجال الحزب بنسبة كبيرة.

يضاف إلى كل ذلك حالة من الصراع السياسى والفكرى الدائم ما بين مناصرى المحافظة والتدين، وعلى الجبهة الأخرى مناصرى العلمانية المتطرفة التى غرسها ورسخها أتاتورك فى المجتمع، فعادتا ما تدور رحى تلك المعركة على أرض الحريات العامة.

بعد سنوات من الممارسة الانتخابية البعيدة عن التزوير مع انطلاقة إقتصادية قوية فى السنوات الأخيرة، أصبحت تركيا الآن فى الاختبار، يضاف إلى تلك اللحظة الاستثنائية أن تركيا تكتب الآن دستورها الجديد.

حرية نشاط المجتمع المدنى، شرطة غير مسيرة سياسيا، إعلام غير مقيد، بيروقراطية للدولة وطنية غير موجهة حزبيا، حريات عامة متفق على مساحاتها بدقة بين كل فرقاء المجتمع، وأخيرا ديمقراطية أكثر تشاركية.

تلك هى أسئلة الاختبار الست التى وجب على قادة تركيا الإجابة عليها، فهى أمور أصبحت واجبة إذا أرادت تركيا أن تتقدم بأمان إلى المرحلة التالية من الرقى الحضارى للمجتمع والنمو الاقتصادى المتواصل والنظام السياسى الكفء، فهل سيجيب قادة تركيا على تلك الأسئلة بالمستوى المطلوب؟ أم ستتأخر الأجوبة ويزداد الغضب وتزداد الكلفة؟

فى خضم تلك الأزمة صرح عبد الله جول رئيس الجمهورية التركية أنه: "فى الديمقراطية الانتخابات ليست كل شىء ورسالة المحتجين قد وصلت"، ما بين تصريح أردوجان وتصريح جول تكمن مساحة العراك على أسلوب التعامل، لكم أيها القادة فى انتفاضة الطلبة عام ١٩٦٨ عظة وعبرة إذا أردتم أن تتعلموا كيف تتطور المجتمعات بتضحيات قادتها واستيعابهم للمستجدات وليس بأطماعهم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة