عندما كان المدرس الخصوصى يعلن أن عمنا أحمد رجب توصل إلى حل مسألة جبر، كانت أمه تطلق الزغاريد وتوزع الشربات على الجيران!
وقتها كان الساخر الكبير يتعلم فى مدرسة رياض باشا الابتدائية، وكان يحب حصة الموسيقى ويكره علم الحساب، وبسببه قضى طفولة سعيدة جدا كلها ضرب فى ضرب! وفى الوقت نفسه حاول أن يتعلم الموسيقى، فالتحق بمعهد «جيوفانى» ليتعلم آلة الكمان التى أحبها كثيرا، وبعد الدرس الرابع اشترط عليه الخواجة «جيوفانى» أن يشترى «كمنجة» إذا أراد الاستمرار فى دروس المعهد.
كافح أحمد رجب طويلا من أجل اقتناء الكمنجة، لكن الرأى استقر على أن تلك الكمنجة ودروسها سوف تشغله عن المذاكرة، وعن الدروس الخصوصية فى الجبر، وانتهت معركته من أجل الكمنجة بوعد أكيد بأنه إذا نجح فى الجبر آخر السنة فسوف تكون الكمنجة هدية النجاح.
فبدأ جهودا أسطورية لكى ينجح فى الجبر، وراح يسهر الليالى فى طلب المعالى، وطلب الكمنجة! عاكفا الليل بطوله فى محاولات مستميتة لحل المقادير الجبرية، حتى أصبح - لكثرة الجهد - نحيلا شاحبا، كل شىء، فى جسمه صار رفيعا إلا مخه، فقد ظل تخينا - على حد تعبيره - لا يستطيع الجبر اقتحامه، فضاعف الجهد ليحقق - فى النهاية- تفوقا رائعا، إذ تمكن من الحصول على أعلى درجة للنجاح فى الجبر أيامها 4 من 20!
وجاءت الكمنجة التى أحبها أحمد رجب لكنها لم تحبه!
فقد ظل طالبا فى معهد الموسيقى لمدة ثلاث سنوات إلى أن جاء له صاحب المعهد «جيوفانى» ذاته، وقال له: «يا ابنى أنت معنا منذ سنوات، ولم تتعلم شيئا، ولن تتعلم شيئا، لأن يديك ليست ميكانيكية».
لكن أحمد رجب لم يقتنع بما قاله جيوفانى إلا بعد سنوات طويلة، يتذكرها بقوله: تأكدت من صدق «جيوفانى» عندما كنت أحاول مساعدة زوجتى فى المطبخ، فكنت أقوم «بتكسير» الأطباق بسبب عدم مرونة يدى فى الحركة! ومن هنا أصبحت مبهورا بأى شخص يعزف على آلة الكمان، لأنها كانت أمنية حياتى التى لم أستطع تحقيقها.
لم تكن عقدة الكمنجة وحدها التى تطارد أحمد رجب، ففى سنوات الطفولة تعرض لواقعة جعلته يكره اليوم الذى يذهب فيه إلى الحلاق! ويروى تفاصيلها بقوله: ذهبت أحلق شعرى وأنا فى المدرسة الابتدائية فدخل رجل صالون الحلاقة وفى يده ابنه فى مثل عمرى، فقص الرجل شعره وحلق ذقنه، وجاء الدور على الولد الصغير فأجلسه الحلاق على منضدة ليقص شعره، بينما ذهب الأب إلى الحانوت المجاور بعد أن نفدت سجائره، وجن جنون الأسطى رشوان عندما اكتشف أن الرجل ليس أب الولد الصغير، وأنه اصطحبه من الطريق ليتركه رهينة عند الحلاق باعتباره ابنه، ويفر دون أن يدفع الأجرة!
ولم يكتف الحلاق بضرب الولد المسكين الذى لا ذنب له، بل أمسك بى أنا أيضاً وهو يصيح: وأنت كمان أبوك فين يا ولاد النصابين؟ ولم أدر فى مقاومتى أننى كسرت «قصرية» زرع فتحول الحلاق إلى «القصرية» المكسورة، وتحولت أنا إلى الشارع أسابق الريح، ومن يومها أصبت بما يمكن أن يسمى بـ«الحلاقة فوبيا»!
كان ذلك قبل أن يصل أحمد رجب إلى مدرسة «العباسية الثانوية» التى تخرج فيها توفيق الحكيم، وعدد كبير من الوزراء والمسؤولين، وفى هذه المرحلة كان شديد الانبهار بنابليون بونابرت، ومن أجله دخل الجمعية التاريخية ليتعمق فى دراسته، ومن أجله أيضاً شاهد كل فيلم سينمائى يروى قصة حياته.