محمد درويش يكتب: خدعونا فقالوا "التصدير يزيد الدخل القومى"

الإثنين، 03 يونيو 2013 02:05 ص
محمد درويش يكتب: خدعونا فقالوا "التصدير يزيد الدخل القومى" صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على مدار سنوات من الدراسة النظرية فى علوم الاقتصاد تم تمرير فكرة خاطئة إلى عقولنا، وهى أن التصدير يزيد الدخل القومى، ويُعالج الخلل فى ميزان المدفوعات الناتج عن زيادة الواردات التى تأتى من الخارج.

ولكن عند الاصطدام بالواقع نجد أن هذه العبارات تحمل قدراً بسيطاً من الحقيقة، فالتصدير لا يزيد الدخل القومى للدولة ككل ولكن يزيد دخل أفراداً معينة، وبالتالى سيبقى الخلل قائماً فى ميزان المدفوعات للدولة والأخطر من هذا أنه يحدث فجوة فى دخول الأفراد داخل الدولة فتجد مثلاً بعض شركات التصدير بها، ميزانيات تحوى مليارات فى حين أن المواطن الذى يعمل بها يتقاضى جنيهات قليلة .

ولقد أجريتُ دراسة بسيطة فى إحدى الدول العربية التى كنت أعمل بها والقريبة من مصر مستخدماً الأرقام الواقعية البسيطة التى يتعامل بها المواطن يومياً بعيداً عن أرقام وميزانيات الدول، ومن منطلق أن مصر بلدٌ زراعى تُصدر بعض الحاصلات الزراعية منها "الأرز والمانجو والجوافة والفراولة والقطن... وغيرها" وعند إقامتى فى هذه الدولة استوقفنى الأرز المصرى لأن مصر تحتل مرتبة كبيرة فى تصديره، وهو غير قابل للتلف السريع مثل محصول الفراولة مثلاً كما أن البلدة التى ولدتُ بها فى مصر تنتج بشكل أساسى هذا المحصول مما جعلنى أستفيض فى البحث عنه كمنتج موجود بالخارج .

وعندما ذهبت إلى أحد السوبر ماركات فى هذه الدولة لكى أشترى الأرز المصرى وجدت أن المواطنين فى هذه الدولة يُقبلون على شراء الأرز الأمريكى أكثر من الأرز المصرى فمن باب الفضول سألتُ أحدهم لماذا تقبلون على شراء الأرز الأمريكى وتتركون الأرز المصرى؟ فقال لى بعيداً عن القومية العربية الأرز الأمريكى رخيص الثمن عن الأرز المصرى، وعند الطهى يأخذ الأرز المصرى كمية مياه أكبر من الأرز الأمريكى، فسألته وهل تحسبون كمية المياه هنا؟ قال لى نعم لأن ثمن الماء غالٍ هنا، ووجدت أن سعر كيلو الأرز المصرى يعادل 9 جنيهات مصرية والأمريكى يعادل 8.5 جنيه مصرى، فى هذه الدولة.

وبعد العودة إلى مصرنا الحبيبة وجدتُ أن سعر كيلو الأرز المصرى الذى يبيعه الفلاح البسيط هو جنيهان للكيلو الواحد فى حالته الأولية أى أن ثمن الطن هو ألفا جنيه، وبعدها ذهبت إلى أحد المصانع التى تقوم بتجهيز محصول الأرز ليصبح صالحاً للتصدير والتى تسمى عندنا "مضارب" لأسألهم عن تكلفة إعداد الطن لكى يصبح صالحاً للتصدير فأجابونى بأن التكلفة هى 350 جنيها للطن ليصبح فى أفضل حالاته مع وضعه فى عبوات تمتاز بالأناقة والذوق، وهذا يعنى أن كيلو الأرز حتى يصل إلى مرحلة التصدير يتكلف 2.35 جنيه للكيلو وعند مُساءلتى لأحد أصدقائى العاملين فى مجال الشحن وقلت له "كم يتكلف تصدير طن الأرز إلى هذه الدولة؟" فأجابنى 100 دولار للطن على الأكثر فهى دولة قريبة من مصر، وهذا يعنى أن تكلفة شحن الطن تساوى 700 جنيه مصرى أى أن كيلو الأرز المصرى بعد تصديره إلى هذه الدولة يصبح سعره هو 3.05 جنيه وهذا كله على افتراض أن المصريين هم من يدفعون تكلفة الشحن، وليس الدولة المستوردة.

والسؤال الآن كيلو أرز مصرى يتكلف 3.05 جنيه يباع بعد التصدير بـ 9 جنيهات أين يذهب هذا الفارق فى السعر ولمن؟

وهل استفاد الدخل القومى المتمثل فى الفلاح البسيط، وعامل المصنع، وعامل الشحن، وعامل الميناء؟ أم أنه استفاد أشخاص آخرون ؟

وبعد كل هذا يصبح الأرز المصرى مرتفع السعر عن الأرز الأمريكى، مع العلم أن الأرز الأمريكى يأخذ شهوراً مشحوناً فى البحار، والمحيطات حتى يصل إلى هذه الدولة فى حين أن الأرز المصرى يُشحن ليصل بعد بضع ساعات لهذه الدولة، مع العلم أن الأرز المصرى يستطيع أن يكتسح الأسواق العربية كلها بسعر لا يتحمله الأرز الأمريكى .


فى مصرنا الحبيبة التصدير لا يُزيد الدخل القومى لكن يُزيد دخل بعض الأفراد، ولعلى أقول للإدارة السياسية المصرية لن يُحقق التصدير المراد لمصر إلا إذا تم مع عدالةٍ اجتماعيةٍ فى التوزيع كما طالبت ثورتنا المجيدة.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة