محمد حسن سلامة يكتب: (عن تحول الضحية إلى جلاد)

الإثنين، 03 يونيو 2013 12:07 ص
محمد حسن سلامة يكتب: (عن تحول الضحية إلى جلاد) قضبان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى صيف عام 1973 قامت مجموعة من اللصوص بالسطو على بنك "كريديت بانكين ستوكهولم" فى السويد، وقامت باحتجاز موظفى البنك وعملائه - الذين تصادف وجودهم آنذاك - كرهائن لمدة ستة أيام، وخلال تلك الفترة لم يبد الرهائن أى محاولة للمقاومة أو الهرب، بل إن العكس هو ما حدث، حيث بدأ الرهائن بالارتباط عاطفيًا مع اللصوص، بل وقاموا بتكوين درع بشرية والدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم.

جذبت هذه الظاهرة اهتمام علماء النفس الاجتماعى فأطلقوا عليها مسمى "متلازمة ستوكهولم" وهى تشير إلى الحالة النفسية التى تصيب الفرد والجماعة عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، وربما تتطور هذه الحالة بشكل أعمق لتصل إلى مرحلة تسمى التوحد أو الاندماج «Identification» وهنا تتحول الضحية من التعاطف مع جلادها إلى الإعجاب به وبما يفعله والتوحد معه وتبنى دوره وقيمه ومبادئه، بل وتبريرها والاعتقاد بصحتها، وهذا ما يفسر سلوك الشخص الذى عانى قسوة وحرمانًا فى تربيته، فبينما تتوقع أن يكون رحيمًا بأولاده تدهش بأنه أشد قسوة من والده.

وقد توصل العلماء إلى تفسير مقنع لـ(متلازمة ستوكهولم)، وهوأن الإنسان عندما يتعرض إلى القمع والإذلال والتعذيب، وعندما يحس بأنه فاقد الإرادة لا يملك من أمره شيئًا وأن الجلاد الذى يقمعه أو يضربه يستطيع أن يفعل به ما يشاء، يكون عندئذ أمام خيارين: إما أن يظل واعيًا بعجزه ومهانته وينتظر الفرصة حتى يثور على الجلاد ويتحرر من القمع، وإما أن يهرب من إحساسه المؤلم بالعجز وذلك بأن يتوحد نفسيًا مع الجلاد ويتقمص دوره.

هذه المقدمة ضرورية لفهم الحالة التى أصابت جماعة (الإخوان المسلمين) حين وصلت إلى سدة الحكم، وعلى عكس ما توقع قطاع عريض ممن انتخبوها باستحالة تكرار تجربة النظام السابق فى الإجرام والاستبداد، فإذا بها تفاجئ الجميع بنفس الممارسات والتعذيب والقتل والسحل بل والتبرير لكل تلك الجرائم. كان من المفترض أن يكون الشغل الشاغل لجماعة (الإخوان المسلمين) هو تطهير وزارة الداخلية من العناصر الإجرامية وإعادة هيكلتها على أسس سليمة تحترم آدمية المواطنين وخصوصياتهم، لاسيما وأن أعضاء الجماعة أكثر من عانوا ويلات هذه الممارسات فى عهد مبارك، ولكن ما حدث هو العكس، حيث تم الإبقاء على القيادات سيئة السمعة وترقيتهم بل وإمدادهم بمزيد من معدات القمع والبطش، ويكفى أن تشاهد تعذيب أفراد الجماعة للمعتصمين السلميين أمام قصر الاتحادية للتأكد أنهم يطبقون نفس ممارسات جلادهم السابق بإتقان شديد، وعندما تم قتل جيكا وكريستى والجندى واعتقال وتعذيب النشطاء السياسيين لم نسمع من الجماعة ومؤيديها إلا التبرير وإلقاء اللوم على الضحية والدفاع عن جلادهم السابق، بل وصل بهم الأمر إلى التلاعب بتقرير الطب الشرعى عن سبب مقتل الجندى ليتحول إلى حادث سيارة بدلا من تعذيب وحشى تسبب فى وفاته، كما حدث لخالد سعيد منذ 3 سنوات وكأن شيئًا لم يتغير.
كان من المنطقى من جماعة (الإخوان المسلمين) أن تثمن دور الدكتور محمد البرادعى عندما دافع علانية عن حقها فى ممارسة السياسة بحرية دون اعتقال أو تضييق فى وقت كان لا يشار إليها إلا بلفظ "المحظورة" من قبل النظام السابق وإعلامه. وقتها التفت الجماعة حول البرادعى وجمعت له توقيعات على وثيقة (المطالب السبعة)، وأشادت به وبوطنيته ودافعت عنه ضد اتهامات نظام مبارك له، لكن عندما وصلت للسلطة وبدأت فى تقمص حالة مبارك الاستبدادية فعلت ما كان يفعله وأشد؛ فردد أنصارها نفس الأكاذيب التى كان يطلقها إعلام مبارك على الدكتور محمد البرادعى لتشويه صورته أمام الناس، بل وأضافوا إلى الاتهامات أنه "ضد تطبيق شرع الله"، وكأن شيئًا لم يتغير.

نفس التطور حدث مع (حمدين صباحى)، الذى أعلن تأييده ومؤازرته لسجناء جماعة الإخوان فى ظل حكم النظام السابق وطالب بمحاكمتهم أمام القضاء المدنى، وليس العسكرى، ولم يكتف بذلك فحسب، بل حضر مؤتمراً تضامنيًا مع ابنة خيرت الشاطر لدعم حق أبيها فى محاكمة مدنية عادلة، فى هذا التوقيت كان يشار إلى صباحى بالشجاعة والوطنية من قبل قيادات الجماعة، حتى أنه فى أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، دشنت جماعة الإخوان المسلمين ما يسمى "التحالف الديمقراطى من أجل مصر" لخوض الانتخابات التشريعية بقائمة موحدة، وكان حزب الكرامة - برئاسة صباحى آنذاك - أبرز أعضاء هذا التحالف.
لكن الحال تغيرت بعد وصول الجماعة للحكم، فأصبح صباحى صديق الأمس هو عدو اليوم بل وعدو الدين وكالعادة ضد تطبيق شرع الله، وكأن شيئًا لم يتغير.

وإمعانًا فى السير على خطى الديكتاتور والتوحد مع شخصيته، أصدرت جماعة الإخوان الإعلان الدستورى الذى ضرب بالقانون عرض الحائط، فأحدث انشقاقًا وشرخًا فى المجتمع وزاد من مساحة الخلاف والتنافر بين أفراده ما بين مؤيد ومعارض، واتباعًا لسياسة مبارك الاستبدادية "خليهم يتسلوا" قاموا بتمرير دستور فى منتصف الليل، بشكل هزلى وبغير مشاركة مجتمعية وباستخدام نفس أدوات مبارك، من ترزية القوانين والمعارضة الكرتونية، وكأن شيئًا لم يتغير.
كل هذه الأساليب والممارسات غير الديمقراطية قوبلت باعتراض ورفض من كل صاحب ضمير حر يتطلع إلى وطن أفضل، لكن يبدو أنه غاب عن عقول من يحكموننا أن من نزل ميدان التحرير وقت الثورة وكسر حاجز الخوف وعرض حياته للخطر فى سبيل أن يغير بلده للأفضل، لن ترهبه أى وسائل قمعية استبدادية ولن يسمح بصناعة ديكتاتور آخر حتى لو دفع فى سبيل ذلك الغالى والنفيس، فمن سقطوا فى سبيل تحقيق هذا الهدف حياتهم ليست أرخص.
(لا مفر أمامك من دفع الظلم حين يأتيك، إن أردت البقاء إنسانا)






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة