تبدلت المحكمة الدستورية بعد عام من حكم الرئيس محمد مرسى، وقد حكم هذا التبدل عدة أمور، هو الانتقام من المحكمة بتقليل عدد أعضائها، وذلك بعد اتهامها بالتسييس بعد حل مجلس الشعب فى يونيو 2012، وكذلك وضع دستور جديد. وكل ذلك أثر على المحكمة. وهنا نتطرق على سبيل المثال لحكم المحكمة الذى صدر الأحد الماضى لنموذج واقعى لما حدث بين مجمل أطراف العملية السياسية.
فيوم الأحد الماضى حكمت المحكمة الدستورية فى ثلاثة أمور رئيسة، أحدها يخص مجلس الشورى، والثانى يخص الجمعية التأسيسية للدستور، والثالث يخص صلاحيات الرئيس بشأن الطوارئ.
ومما لا شك فيه، أن لغطًاً كبيرًا قد أحيط بهذا الحكم خاصة فيما يتعلق بالأمرين الأول والثانى. هنا يمكن أن نبدى بعض الملاحظات حول هذا الحكم : -
1 - أن الحكم يبدو أنه قد رغب فى إرضاء كافة الأطراف المتصارعة فى هذا الموضوع. وقد نجح بشكل منقطع النظير فى تحقيق ذلك. إذ أن ردود الأفعال التى صدرت على حكم المحكمة، أشارت من جانب القوى المدنية إلى أن الحكم نسف فكرة تشكيل الجمعية التأسيسية، ومن ثم أشبع رغبتها فى كونها جمعية منحازة، وتشكيلها معيب. وعلى جانب مجلس الشورى، فقد شفى الحكم غليل القوى المدنية بالحكم بعدم دستورية قانون مجلس الشورى فى الجزء الخاص بمزاحمة الأحزاب للشق الفردى، رغم أن الحقيقة التى لا يعلمها البعض أن سبب المزاحمة هو إصرار حزب الوفد عليها، ومطالبته –وقد نجح- للقوى المدنية وذات المرجعية الدينية بالضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذا الشأن.
وعلى الجانب المقابل، فقد أشبع حكم المحكمة آمال قوى السلطة بشكل خاص والقوى الحزبية المنتمية للتيار الدينى، خاصة تلك المشاركة فى مجلس الشورى. هنا فقد رحب هؤلاء بحكم التأسيسية باعتباره لم يفض للحديث عن منتج التأسيسية، وهو الدستور. بعبارة أخرى، أن الحكم لم يقل ما بنى على باطل فهو باطل. أما الحكم الثانى الخاص بالشورى، فقد رحبت به القوى ذات المرجعيات الدينية، إذ رأته على أنه استمرار لمجلس الشورى فى أداء المهام التى جاء بها الدستور، وبقاؤه حتى انتخاب مجلس النواب، وهو أمر ليس ببعيد عن الدستور نفسه.
2 - أن المحكمة اضطرت فى حكمها السابق أن يصدر الحكم بهذا الشكل هذا الأسلوب، والسبب هو أن الأمور على الأرض قد تغيرت، وأصبح الطرف الثانى المعادى لحل التأسيسية وحل مجلس الشورى له رصيد على الأرض نابع من وجود دستور مستفتى عليه. بعبارة أخرى، أن وجود دستور حاصل على أغلبية، قد غل يد المحكمة وجعلها تصدر قرارها السابق، ولولا ذلك لتغير الأمر برمته لصالح القوى المدنية.
3 - أن حكم المحكمة الدستورية يبدو أنه رغب فى تحقيق عدم فراغ تشريعى، لذلك كان منطوقه فيما يتعلق بالشورى، هو بقاء المجلس حتى انتخاب مجلس النواب. بمعنى آخر، أن حكم المحكمة اتسم بقدر أو بآخر بنوع من الموائمة السياسية. فوجود مجلس تشريعى حتى لو منقوص الصلاحية بحكم الأمر الواقع، بسبب ظروف انتخابه، وسلطاته عند الانتخاب، هو أمر أفضل بشكل أو بآخر من عدم وجود مجلس من الأصل. وقد تبين أهمية ذلك عندما كان الرئيس يرغب فى الهيمنة بمفرده على مهام التشريع والقضاء من خلال الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012. المهم فى الحكم أن الموائمة التى جاء بها حكم الدستورية، كانت مقيدة بيوم انتخاب مجلس النواب، على عكس الدستور الذى ذكر بإمكانية استمرار هذا المجلس بحد أقصى سنة بعد انتخاب مجلس النواب، تتم خلالها عملية الانتخاب.
4 - أن المحكمة بشأن مجلس الشورى يتلمس من منطوق حكمها أنها تهيب بمجلس الشورى بعدم التغول فى صلاحياته التشريعية التى منحها له الدستور. فإذا كان الدستور قد جعل سلطات الشورى استثنائية بمنحه كل صلاحيات مجلس النواب مؤقتًا، فمن باب أولى أن تكون بعد هذه الحكم مقوضة ومكبلة بشكل أكبر، بحيث تقتصر بالفعل هذه المرة على تشريعات الضرورة.
وعلى الرغم من أن ردود الأفعال من التيارات الدينية، وكذلك السوابق تشى بأن الشورى سوف يستمر فى أسلوب العنجهية والسير فى طريق ازدراء الآخر، ما اتضح فى بيان الرئاسة بأن الشورى باق بلا تحفظات، رغم كل ذلك، إلا أن هذا الأمر قد يسفر عن عدم دستورية القوانين التى ستنتج عنه. هنا يبدو للبيب تحذير المحكمة الدستورية المبطن وغير الصريح فى تعليق مناقشة قانون السلطة القضائية وغيرها من القوانين المثيرة للجدل كقانون الجمعيات الأهلية وقانون التظاهر.
هذا هو يا سادة نموذج لما سارت عليه العلاقة بين الدستورية والسلطتين التنفيذية والتشريعية. غموض، شك، اتهامات، حذر، تحوط.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة