منذ أن اعتلى الرئيس الدكتور محمد مرسى سدة الحكم قرابة العام وأجواء الشارع السياسى المنقسم على نفسه لم تهدأ، فهى أشبه بالبحر المضطرب حين يهيج ويشتد هديره فترتفع أمواجه عن سطحه لتُغرق شطآنه وكأن الشعب المصرى قد تأبّى على نفسه إلا أن يظل فى حالة ثورة مستمرة دون أن يمنح نفسه فرصة للراحة والتقاط الأنفاس حتى تتحقق كامل مطالبه، وبرغم أنه أسقط نظام مبارك بوحدة صفه ونسيجه الواحد إلا أن رموز هذا الشعب نفسه قد تحولوا بعد وحدتهم تلك إلى شيع وأحزاب بحثا عن المكاسب السياسية فى السلطة ففقد الشعب بذلك الكثير من قوته وانسجامه ومن المفارقات العجيبة أن قطاعا واسعا من هذا الشعب يعد نفسه اليوم لموجة ثورة ثانية لإسقاط نظام الرئيس الدكتور محمد مرسى فى 30 يونيو الحالى بقصد عدم قدرته على إدارة مصر.
لاشك أن كل المؤشرات التى تبدت بعد ثورة 25 يناير كانت تؤكد أن التيار الإسلامى ممثلا فى حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين كان هو الأقرب لحصد كل المغانم والمكاسب السياسية وهذا حق مشروع لكل حزب سياسى ولا غضاضة فيه.. وقد لاحت أولى هذه المؤشرات فى الأفق بانصراف الإخوان المسلمين عن الميدان فى ذروة الثورة ودعوتهم إلى انتخابات برلمانية مبكرة تحت ذريعة وجود آلية لتشريع القوانين فى البلاد بعد سقوط رأس الدولة وقد تحققت بغيتهم من ذلك فضلا عن نجاحهم فى محاولة تقديم الانتخابات الرئاسية على إعداد ووضع الدستور والتى فاز من خلالها حزب الحرية والعدالة بكرسى الرئاسة.
من المحقق أنه كان يحدث ذلك كله من جانب الإخوان المسلمين فى الوقت الذى كانت فيه القوى السياسية غارقة فى سبات عميق ومعها القوى الثورية التى كانت تجتر أحلام الكرى بالتباهى والترفع على عامة الشعب كونها هى صانعة الثورة وكونها هى التى أسقطت وحدها نظام مبارك فلما أفاقت وجدت أن أحلامها مع الإخوان المسلمين فى الحصول على بعض مغانم الحكم الهائلة قد أصبحت وكأنها حصيدا لم تغن بالأمس وقد شعرت القوى الوطنية من هذا الغزلان باليأس والإحباط بعد أن خرجت من هذه الثورة خالية الوفاض والأمر هنا لم يقتصر على ذلك فحسب بل وصل إلى حد إقصاء هذه القوى ذاتها عن المشاركة فى صناعة القرار وبحث مستقبل مصر.
لقد انبثقت جبهة الإنقاذ الوطنى برموزها المعروفين عن الخلافات والتداعيات الشعبية مع حزب الحرية والعدالة وقد تألفت هذه الجبهة من أخلاط سياسية متباينة من بينها فلول الثورة وغيرهم من الأشخاص والحركات التى تمنحها الجبهة غطاء سياسيا وإعلاميا حتى تجد قبولا لدى عامة الشعب مثل حركة تمرد.. وبلاك بلوك.. وذلك بزعم وقف أخونة المؤسسات والحد من إدارة النظام الفاشلة الذى لم يوف بوعوده للشعب والعمل على إسقاطه ومن هذا المنطلق فقد سعت جبهة الإنقاذ إلى تجيش الحشود الشعبية وتحفيزها للخروج يوم 30 يونيو وهم يعلمون حق العلم أن التيار الإسلامى هو الآخر قد جيش أنصاره لهذا اليوم فماذا يصنع الفريقان إذا لقى بعضهما الآخر؟ وماذا ستكون مغبة هذا الصراع ؟ أليس الدماء والفتل هو النتيجة المحتومة لمثل هذا الجدال العقيم من كلا الفريقين ؟ واعتقد أن صورة هذا المشهد تتغلب فيها مصلحة الفرد على مصلحة الوطن فكيف يتأتى لكل عضو فى جبه الإنقاذ أو فى التيار الإسلامى أو من عامة الشعب أن يتخذ إلهه هواه وكيف يكون ضميره غير المجرد والخالص للوطن وكيلا على نزوع أفكاره لمصالحة وأهواؤه الشخصية دون أن يتق الله فى نفسه وفى وطنه.
جملة القول أن للتيار الإسلامى مخاوفه الجمة من التيارات المدنية بكل أطيافها وذلك الشعور ذاته ينسرب بكل هذه المخاوف و تلك الهواجس إلى نفوس ومشاعر معظم الشعب تجاه التيار الإسلامى نفسه وأعتقد أن واقعة قتل الشيعة الأربعة فى "قرية أبو مسلم مركز أبو النمرس" والتنكيل بهم بالتكبير والحمد لله على هذه الفعلة الشنعاء فيها دلالة واضحة وبيّنة على بعد الشقة بين الفريقين.. ولذلك فانك تجد أن كلا هما يجلس للآخر على كل صراط ويقف له عند كل باب ويتربص به الدوائر وفى النهاية نجد أن الخاسر الأكبر إزاء ذلك هو والوطن الذى يجمعنا على ثراه الطيب إذا اقتتل أبناؤه على الهوية أو المذهب أو الديانة.
رمضان محمود عبد الوهاب يكتب : الثلاثون من يونيو ومغبة التظاهرات
السبت، 29 يونيو 2013 05:08 م
ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة