محمد توفيق

التحليل النفسى للطاغية الغبى

السبت، 29 يونيو 2013 07:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا كان كرسىّ الحكم له بريقه، فإنه عندنا له غباؤه!

إنه واحد من أخطر أمراض المهنة، وربما من متطلباتها أحيانًا، فقد تدفع جماعة بشخص لديه غباء سياسى من أجل أن يظل وفيا لها، ومطيعا لأوامرها، وطيعا فى يديها.

فالحاكم الغبى سياسيا دائمًا ما يخطئ فى تقدير الأمور، وتكون ردود أفعاله لا تتناسب مع الأفعال نفسها، إما بالتضخيم وإما بالتجاهل، فهو يتسم بقدرات عقلية ضعيفة لا تتناسب مع المكانة التى وصل إليها والمكان الذى يجلس فيه، فكرسى الحكم يتطلب قدرات خاصة ومهارات استثنائية، وسمات نفسية معينة.

لكن الغباء السياسى لا يعنى الغباء العقلى، فأى شعب فى الدنيا «%60» من أفراده متوسطو الذكاء، و«%20» يتمتعون بمستوى ذكاء أقل من المتوسط -على حد تعبير الدكتور أحمد عكاشة - وأخيرًا هناك «%20» هم المتميزون وذكاؤهم فوق المتوسط.

والغبى سياسيًّا غالبًا ما يكون من متوسطى الذكاء، أى أن نسبة ذكائه تتراوح ما بين 90 و110 درجات، وهذا ليس عيبًا ما دام هو فى مكان يتناسب مع قدراته، لكنه يصبح كارثة إذا تم وضعه فى مكان يفوق قدراته أو يتطلب قدرات أخرى لا تتوافر لديه، فالرئاسة تتطلب شخصية مبدعة لديها الخيال، والكاريزما، والطموح، وبالتالى لا يتناسب معها الحاكم الذى تدفعه الصدفة وحدها إلى كرسى الحكم، والذى يظن أن بطئه حكمة، وتأخره عقلانية، وعدم تقديره للأمور ضبط نفس.

وهناك أمراض كثيرة تصيب السلطة فى مصر يُعتبَر الغباء السياسى سببًا فى حدوثها أو نتيجة لها، ومنها كما يصنفها الدكتور محمد المهدى أستاذ الطب النفسى:
1 - الهاجس الأمنى:
كل سلطة يشغلها الجانب الأمنى، لكنه يزداد إلى أقصى درجاته لدى السلطة غير المنطقية، والسبب فى ذلك هو أن السلطة تشعر بأنها اغتصبت شيئًا مهمًّا من الجماهير، ولذلك تأخذ السلطة احتياطات أمنية كثيرة، ومبالغًا فيها تتناسب مع قدر خوفها من الجماهير وعدم ثقتها بها أو احتقارها لها، وكلما ازدادت الطبيعة البارانوية «الشك وسوء الظن والتعالى» لدى رمز أو رموز السلطة، تضخم الهاجس الأمنى.

فالغباء السياسى لا بد أن يعقبه غباء أمنى، والحاكم الغبى يتعامل مع الأمن باعتباره الحل الأول، والأوحد، والأمثل، والأفضل لكل المشكلات التى يعجز عن إيجاد حل سياسى لها. وهذه آفة حكم الفرد، أو بمعنى أدقّ آفة الحكم فى مصر؛ فالسلطة عندنا شخص واحد لديه حل واحد هو الأمن، وهذا الحل لا يملك سوى أداة واحدة هى القمع، وبالتالى فلابد أن يتحول هذا الشخص إلى طاغية.
2 - العُزلة وافتقاد الحياة الطبيعية:

صاحب السلطة فى هذه الحالة يعيش حياة تحوطها المحاذير والقيود، فعلى الرغم من تمتعه بسلطات واسعة تبهر من يراه من بعيد فإنه محاط بآلاف المحاذير، فهو غير قادر أن يعيش حياة تلقائية عفوية مثل بقية الناس وغير قادر على التجول فى الشوارع وارتياد المحلات والشواطئ والمتنزهات العامة، وكل تعاملاته مع الناس تحدث من وراء ستار، لذلك فهى تعاملات غير صادقة وغير أصيلة وغير حقيقية، فكل المحيطين به يظهِرون له الولاء والطاعة ليس بدافع من حب حقيقى وإنما بدافع من خوف حقيقى من سطوته، فهو محروم من المشاعر الطبيعية التى يتعامل بها البشر بعضهم مع بعض.
3 - تضخم الذات:

يسعى لامتلاك السلطة والتشبُّث بها نوعان من الشخصيات هما: الشخصية البارانوية والشخصية النرجسية وكلتاهما لديها مشكلة مع ذاتها، فالشخص البارانويى يشعر بالدُّونية وباحتقار الآخرين له ومحاولاتهم اضطهاده وسحقه وتدميره «هكذا يعتقد» لذلك فهو لا يثق بأحد، ويتوقع السوء من أقرب الناس إليه، ويشعر فى بدايات حياته بالظلم والاضطهاد، وينظر إلى الناس بعين الشك ويسىء الظن بهم ويتوقع منهم الإيذاء والتآمر ضده، ويفسر أقوالهم وأفعالهم على محمل سيئ ويأخذ حذره منهم ويبالغ فى ذلك، ونراه مفتوح العينين مستنفَر القوى طوال الوقت لأنه يتصور أن الخطر يحوطه من كل مكان، لذلك يسعى لامتلاك أدوات القوة ويسعى بكل ما يملك نحو السلطة عساها تحميه من غدر الناس وتعطيه القوة والسيطرة والاستعلاء على هؤلاء الأوغاد المتآمرين «الناس - كل الناس».

أما الشخص النرجسى فهو يشعر شعورًا مبالغًا فيه بذاته، ويتصور أنه متفرد وأنه شىء خاص جدًّا، وأنه محور الكون، وأن لديه ملكات لا يملكها غيره، ويشعر بأن الجماهير التى يحكمها محظوظة بحكمه إياها، وكلما اتسعت سلطته طولًا وعرضًا وزمنًا كلما تضخمت ذاته أكثر وأكثر حتى يصعب عليه فى مرحلة من المراحل أن يرى بجواره أحدًا فهو الملهَم والعظيم والقادر والحكيم، وتتعقد الأمور حين يعمل مَن حوله من المتزلِّفين والمنتفعين على النفخ فى هذه الذات لتتضخم أكثر وأكثر حتى تمحو ما حولها ويشعر صاحب السلطة بامتلاكه كل شىء وبتوحد الوطن مع ذاته، وهذه هى نقطة اللاعودة التى يصعب عليه عندها ترك السلطة طواعية لأنه ابتلع الوطن فى ذاته المتضخمة.

4 - العناد:

العناد هو مرض السلطة الأكبر فى مصر، فإما أن تجد الرئيس يفخر بأن لديه دكتوراه فى العند، أو تجده يعلن باعتزاز أن «جلده تخين»!

وهو شعور مركَّب يتكون من الغرور والكبر واحتقار الآخرين والرغبة فى السيطرة المطلقة واغتصاب إرادة الآخرين بحجة أن الشخص المعاند هو الأعلم والأحكم والأقدر، وأن الآخرين جهلاء وقُصَّر، وأما العناد فيحمل قدرًا كبيًرا من العدوان لأنه يبعث برسالة إلى الرعية بأنها ليست ذات وزن حتى يستجيب لها صاحب السلطة، وبأنه ليس فى حاجة إلى إرضائها أو استرضائها فهو متحكم فيها بقوته وسطوته وليس برضاها أو قبولها. للسلطة أمراض كثيرة لكن أكثر مرض عانت منه مصر ودفع الشعب ثمنه بطول تاريخها وعرضه هو الغباء السياسى، فهو حاصل جمْع كل أمراض السلطة فى كل زمان وفى كل مكان، فهو مرض تجده لدى «المستبد» و«الطاغية» و«المعزول» و«المغرور» و«مدمن السلطة» و«العنيد»!
والسؤال: هل كل الطغاة أغبياء؟

والجواب: لا، لكن كل الأغبياء طغاة!

ليس شرطًا أن يكون الطاغية غبيًّا فقد عرفت مصر فى تاريخها طغاة أذكياء وأذكياء جدًّا، ولم يسقط حكم طاغية إلا إذا اقترنت أفعاله بالغباء الفادح والفاضح. وطبيعة نظام الحكم المستبد يجعل الرئيس يقوم بتقسيم المجتمع إلى ثلاث خانات «وفقا لبسمة عبدالعزيز فى كتابها الفذ إغراء السلطة المطلقة»:

الخانة الأولى- الأصدقاء «الأهل والعشيرة»، وهؤلاء من المؤيدين الذين يُسنِد إليهم الوظائف العليا والقيادية، ويسمع لهم، وتتم الاستجابة لاقتراحاتهم التى تفيد الحاكم، وتشدد قبضته وتعزز من بقائه فى السلطة.

الخانة الثانية - الأعداء، وهؤلاء من المعارضين الذين تحلُّ عليهم اللعنات وتتوجه إليهم اليد الباطشة للنظام لتفرض السيطرة الكاملة عليهم، سواء أكانوا خارج السجون أم حتى داخلها.

الخانة الثالثة - المتعايشون، وهؤلاء أغلب فئات الشعب، وتتكون من الذين لا ينتمون إلى فصيل سياسى بعينه أو إلى اتجاه فكرى واضح ولا يهتمون إلا بالحياة العادية، ومتطلباتها من طعام وشراب وعمل ومسكن، وهؤلاء غالبًا لا يتذمرون بل هم قانعون بما هم فيه وراضون بكل ما يحدث فيهم ولهم، بل إنهم قد يدافعون عن الحاكم عندما يبطش بمعارضيه.
لكن السلطة الغبية فى مصر تفنَّنت فى قهر البسطاء وإذلالهم حتى نقلتهم من مقاعد المتعايشين إلى خانة الأعداء، بعد أن أغلقت كل المنافذ.

النظم الغبية وحدها هى التى تستفز المتعايشين وتنقلهم إلى خانة الأعداء، فالنُّظم المستبدة رغم طغيانها فإنها تحاول أن تُحيِّد البسطاء ولا تستفزهم، بل إنها تلعب على مشاعرهم، وتسعى لاستمالتهم كى تستفيد منهم فى أوقات الأزمات، وتحرص على تحقيق بعض المصالح الصغيرة للمتعايشين حتى تضمن ولاءهم وتَأْمَن تقلُّبَهم.





مشاركة




التعليقات 8

عدد الردود 0

بواسطة:

ahmed

my analysis

عدد الردود 0

بواسطة:

ماندو

حماده

عدد الردود 0

بواسطة:

منمن

الى رقم 1و2

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

وأنتما ... كما قال الكاتب

عدد الردود 0

بواسطة:

AHMAD SHARABI

رئيس وطني

عدد الردود 0

بواسطة:

waleed

الرويبضة

عدد الردود 0

بواسطة:

غادة العباسى

أى الفريقين أحق؟؟

عدد الردود 0

بواسطة:

مواطن

۩۞ 30 يونيو . كل المصرى على المصرى حرام دمه وماله وعرضه ۩۞

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة