تساءلت مجلة "ذى أتلانتك" الأمريكية، عما إذا كان ما تحتاجه مصر الآن هو ثورة ثانية، وقالت فى تحليل كتبه شادى حميد، الخبير بمركز بروكنجز الأمريكى للأبحاث، إن الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية يعانى من نقص فى الشرعية، لكن هل ستستفيد المعارضة أى شىء من محاولة الإطاحة به يوم الأحد المقبل.
ويرى "حميد" أن المصريين لهم كل الحق فى المطالبة باستقالة مرسى، وهذا الحق يجب حمايته، إلا أنه، وكما هو واضح، ليس أمامه أى التزام للاستجابة لتلك الدعوات، فماذا بعد، موضحا أنه لا يوجد آلية دستورية يمكن من خلالها الإطاحة بمرسى، وواقعيا هناك وسيلة واحدة يمكن أن يسقط من خلالها، لو حدث عنف شديد وانهيار تام فى النظام العام يدفع الجيش إلى التدخل.
وفى هذا السياق، فلأجل أن تنجح "تمرد" يجب أن تفشل مصر، وبالنسبة للبعض فى المعارضة، فإن هذا الثمن على المدى القصير، والذى يمكن أن يكون مدمرا، مبرر لأن البديل لاستمرار حكم الإخوان المسلمين سيكون تغييرا جذريا فى طبيعة مصر نفسها، وتتحدث شخصيات المعارضة عن أنواع مختلفة من الانقلابات ضد الرئيس غير الكفء وغير الشعبى، لكنه منتخب ديمقراطيا، فالبعض ينادى بتدخل الجيش، وآخرون يطالبون بما أسماه أحد الصحفيين الأجانب مطالب لا تطلب شيئا بتصعيد من الجيش، فى حين أن آخرين ومنهم قادة تمرد يطالبون بتدخل القضاء لإلغاء رئاسة مرسى.
ويتابع "حميد" قائلا إنه وفقا للمادة 174 من قانون العقوبات، "والذى عفا عليه الزمن باعتراف الجميع"، فإن التحريض على قلب نظام الحكم هو جريمة يعاقب عليها القانون، وفى أغلب الديمقراطيات الراسخة هناك بنود مماثلة تحظر الدعوة لإسقاط الحكومة، لكن الثورات، وكما يعترف الثوار أنفسهم، غير قانونية بتعريفها، وهذا غير القانونى يمكن أن يكون فى نفس الوقت شرعيا وصحيحا، ولاسيما لو أن المرء يعمل وفقا لشرعية ثورية وليس شرعية ديمقراطية.
لكن الاختيار المتأخر للشرعية الثورية، بعد أكثر من عامين على التحول وإجراء خمس انتخابات، يعنى كما يقول الكاتب، البدء من نقطة الصفر مع عدم وجود ضمانات كبيرة بأن المرة الثانية ستكون أفضل كثيرا.
وعند مرحلة ما لا يمكن التراجع عن الماضى إلا من خلال العنف الشديد بمستوى غير مسبوق، ولو تمت الإطاحة بأول رئيس مدنى منتخب، فما الذى سيردع الآخرين عن احتمالات الإطاحة برئيس ليبرالى فى المستقبل، لو نظرنا إلى مبررات تمرد فى السعى للإطاحة بمرسى، فإن القائمة الكاملة من المشكلات سيعانى منها خلفه أيضا، وليس لها علاقة بعملية انتقال معيبة ودستور متسرع تم إقراراه رغم اعتراضات المعارضة وكل ما يتعلق بالأداء. فوفقا لما جاء فى بيان مبادئ تمرد: فإن مرسى فشل فشل ذريعا فى تحقيق أى هدف واحد؛ لا الأمن تم إعادته، ولا الأمن الوطنى تم تحقيقه، ولم يقدم برهانا واضحا على أنه يصلح لحكم دولة مثل مصر، ويرد "حميد" قائلا إن الشرعية لا تعتمد فقط أو بشكل أساسى على الكفاءة والفعالية، فلو كان الأمر كذلك، فيمكن أن تكون الثورة مبررة فى أى مكان وفى أى زمان، حتى فى الدول الأوروبية الديمقراطية.
وتمضى المجلة الأمريكية قائلة، على لسان خبير بروكنجز، إنه لا يوجد شك فى أن مرسى يعانى من نقص فى الشرعية أكثر من أى شىء آخر، والتى يمكن أن تؤدى إلى تقويض الحكم وما إلى ذلك.
فالأساس إذن هو إيجاد طريق لإعادة المصريين الساخطين إلى العملية السياسية، والتى يعتقدون لسبب جوهرى أنه تم اقصاؤهم منها. وهذا سيتطلب تنازلا من مرسى والإخوان تشمل ضمانات بقانون انتخابى نزيه بمراقبة دولية عادلة، ومراجعة المواد المثيرة للجدل فى الدستور، وتشكيل حكومة وحدة وطنية لتسيير الأعمال حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، والبعض فى المعارضة ينظر لاستمرار حكم الإخوان بشكل مروع ولن يرضى بهذه التنازلات، ورغم ذلك فإن الأمل هو أن التنازالات الكافية تكون كافية.
وعن الانتقادات التى وجهت للسفيرة الأمريكية آن باترسون، لتدخلها فى الشأن الداخلى المصرى، قال "حميد" إن باترسون استخدمت اللهجة الخاطئة، وفى بعض الأحيان تصرفت كأنها راعية أو وصية، عندما قالت أوصى المصريين بالانضمام إلى حزب سياسى أو إنشائه، وعندما قالت أيضا إن الأمر سيستغرق وقتا، لكنها كانت محقة من الناحية الموضوعية وفقا لرؤية "حميد"، فهناك وقت للثورة، ووقت لسياسات الأخذ والعطاء غير المرضية لكنها ضرورية، وهنا تصبح الخطوط العريضة لأى اتفاق واضح، فلو قدم مرسى تنازلات مهمة، وتابعها، يمكن أن يقوم قادة المعارضة بالمثل بالالتزام بالعمل فى إطار العملية الانتخابية. وتعزيز شرعية النظام السياسى مهما كان معيبا، ولو حركت "تمرد" مصر نحو هذه النتيجة، ولو بشكل غير مباشر، سيكون هناك إرثا يصفق له كل المصريين.
"ذى أتلانتك": المصريون لهم الحق فى المطالبة باستقالة مرسى وهو حق يجب حمايته.. خبير "بروكنجز": الاختيار المتأخر للشرعية الثورية يعنى البدء من نقطة الصفر مع غياب أى ضمانات بأن المرة الثانية ستكون أفضل
الجمعة، 28 يونيو 2013 01:23 م